بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

الوفد بين الماضي والحاضر.. مدرسة وطن وإرادة شعب

حين أنظر إلى تاريخ الوفد بين الماضي والحاضر، أشعر وكأنني أمام رحلة طويلة، مشبعة بالتضحيات والعطاء، رحلة امتدت منذ تأسيس الحزب في 1918، مرورا بالنضالات الكبرى بعد ثورة 1919، وصولا إلى تأسيس أول وزارة شعبية برئاسة سعد زغلول في 26 يناير 1924، وحتى عودة الوفد في عصر التعددية الحزبية على يد فؤاد سراج الدين في 1978. 

رحلة الوفد ليست مجرد سلسلة من التواريخ والأحداث، بل هي قصة وطن يتعلم كيف يحكم نفسه ويصون كرامته، وكيف تتحول الحركة الوطنية من حلم شعبي إلى فعل سياسي ديمقراطي واقعي، وكيف يستمر حضور الوفد وروحه الوطنية في حاضرنا المعاصر.

في أعقاب ثورة 1919، كان الشعب المصري يدرك تماما أن الاستقلال لا يأتي هبة من أحد، بل ينتزع بإرادة الجماهير وعملهم المستمر. 

هنا برزت أهمية حزب الوفد، الذي لم يكن مجرد تجمع سياسي، بل مدرسة وطنية تعليمية تعلم المصريين معنى المشاركة والمسؤولية، الانتخابات البرلمانية في يناير 1924 كانت لحظة فارقة، حين فاز الوفد بأغلبية ساحقة قربت من 90٪ من مقاعد البرلمان، وسمحت لسعد زغلول بتشكيل أول وزارة شعبية في مصر. 

هذا الفوز لم يكن مجرد انتصار انتخابي، بل كان إعلان نضوج الحركة الوطنية ورغبة الشعب المصري في حكم دستوري يضمن الحقوق والحريات ويضع الأمة على طريق الدولة المدنية.

تجلت رؤية الوفد في سياسات تلك الوزارة، التي سعت لترسيخ استقلال القرار الوطني، وتعزيز التعليم، وتوطين الإدارة، وفصل العملة عن البريطانية. 

كما كانت المبادرة بالسلطة التشريعية والمساءلة البرلمانية علامة فارقة على بداية التجربة الديمقراطية في مصر، ورغم الصعوبات الكبيرة، من الضغوط البريطانية إلى التدخلات الأجنبية والأزمات الداخلية، أظهر الوفد إصرارا على أن تكون مصر دولة قانون، لا مجرد سلطة فردية أو حكم استبدادي.

وليس هذا فقط، بل إن أعظم درس يمكن أن نستخلصه من تجربة الوفد في الماضي هو أن حب الوطن ليس شعارات ترفع، بل أفعال تمارس. 

تعلمت من مدرسة الوفد معنى حب الوطن، كيف تكون الخدمة للوطن أمانة، وكيف يصبح الدفاع عن ترابه واجبا مقدسا، لقد علمتنا هذه المدرسة أن الانتماء للوطن هو الأساس، وأن الكرامة الوطنية تبدأ من احترام الدستور والقوانين وممارسة الحقوق والمسؤوليات بحس وطني حقيقي.

ومع مرور الزمن، ظل الوفد حاضرا، سواء من خلال نشاطاته البرلمانية أو مساهماته التشريعية، كما في عهد فؤاد سراج الدين الذي أخرج قوانين تنظيم هيئات الشرطة، وقوانين العمل والنقابات، وقانون الكسب غير المشروع. 

كل هذه الإنجازات لم تكن مجرد قوانين على الورق، بل أدوات لبناء الدولة الحديثة، ترسخ مبادئ العدالة والمساءلة وتفتح الطريق أمام مشاركة المواطن في صنع القرار، هنا يظهر الوفد ليس فقط كحزب سياسي، بل كمدرسة للقيم والممارسة الوطنية، مدرسة تعلمنا كيف يكون الوطن فوق كل اعتبار.

اليوم، ونحن نقترب من عيد الجهاد، تزداد أهمية التذكير بدور الوفد في بناء الدولة المدنية الحديثة، فالوفد علمنا أن العمل السياسي الحقيقي ليس صراعا على المناصب أو مكاسب آنية، بل هو مسؤولية تجاه الشعب، واجب نحو الوطن، وإيمانا بأن الحرية والدستور والعدالة هي أساس كل تقدم. 

ذكرى تأسيس أول وزارة وفدية ليست مجرد تاريخ للاحتفال، بل درس حي لكل أجيالنا: أن الديمقراطية تبدأ بالمشاركة، وأن احترام الدستور والسيادة الشعبية هو ما يجعل الوطن حرا وكريما.

وفي النهاية، حين أتأمل تاريخ الوفد بين الماضي والحاضر، أشعر بفخر كبير بانتمائي لهذه الأرض، وبالحماس نفسه الذي كان يملأ قلوب سعد زغلول وفؤاد سراج الدين وغيرهم من رجال الوفد. 

إن الوفد ليس مجرد حزب أو حركة، بل هو نبض التاريخ المصري، روح العمل الوطني، ومدرسة تعلمنا أن نحب مصر بكل ما فيها، وأن نحمي ترابها ونصون كرامتها. 

وما أجمل أن نعيش هذا التاريخ في وجداننا، لنجد في ذكراه مصدر إلهام لحاضرنا ومستقبلنا، ولنجعل من حب الوطن مسؤولية يومية، ومن الوفد مثالا دائما للعطاء والإيمان بالحرية والكرامة.