إبراهيم دسوقي أباظة باشا.. وزير القوانين والتغيير الاجتماعي
إبراهيم دسوقي أباظة باشا كان أحد الشخصيات الوطنية المضيئة في تاريخ مصر، رجل لم يقتصر عمله على المناصب والسلطة، بل كان مؤسسا حقيقيا لفترة مهمة في وزارة الأوقاف، حيث ترك بصمته في كل جانب من جوانب العمل الديني والاجتماعي والثقافي.
تولى دسوقي أباظة وزارة الأوقاف في فترتين مهمتين عام 1946 وعام 1949، وكانت تلك الفترات أكثر من مجرد إدارات عادية، بل كانت محطات تشريعية وتنظيمية شكلت الأساس الذي بني عليه العمل بالوزارة لاحقا، وفتحت آفاقا لمشروعات اجتماعية وثقافية رائدة لم تكن موجودة من قبل.
لقد أبدع في تأسيس "مؤسسة القرض الحسن" التي قدمت الدعم المادي للمحتاجين بأسلوب حضاري منظم، كما أسس المكتبة العامة وقاعة المحاضرات بقبة السلطان الغوري، لتكون منارات للعلم والثقافة لكل المصريين.
ولادة دسوقي أباظة كانت في كفر أباظة عام 1882.م، وقد تلقى تعليمه في مدرسة الناصرية ثم مدرسة الحقوق العليا، وتخرج عام 1912، ليبدأ مسيرة حياتية مزدحمة بالعمل القانوني والسياسي، حيث مارس المحاماة ثم عمل مفتشا للضبط بمحافظتي القاهرة والجيزة، وكان له كتابه المعروف "حديقة الأدب"، الذي يعكس ثقافته ورؤيته الواسعة.
منذ أيام التلمذة وحتى حل الأحزاب، لم يتوقف عن متابعة السياسة والمشاركة فيها، حيث نشر مقالاته السياسية بتوقيع "الغزالي أباظة"، وترك أثرا واضحا في الحياة العامة قبل أن يرحل عن عالمنا في 22 يناير 1953.م.
لم يكن دوره مقتصرا على وزارة الأوقاف، بل امتد إلى مناصب وزارية أخرى مثل وزير الشئون الاجتماعية ووزير الموصلات ووزير الخارجية بالنيابة، فكان دوما متفانيا في خدمة وطنه من أي موقع شغله.
لكنه عندما تولى الأوقاف، تميز بإصلاحاته الجذرية، سواء على المستوى التنظيمي أو الدعوي، فقد أصدر القانون 36 لسنة 1946.م لتحديث نظام العمل بالوزارة، وأنشأ مؤسسة القرض الحسن بالقانون 43 لسنة 1946.م، ووضع أسسا واضحة لإدارتها وتمويلها. كما اهتم بالمكتبة العامة، ووضع نظام العمل فيها، واهتم بمكافحة الأمية من خلال تشكيل لجان متخصصة، ووضع نظما للأجازات للعاملين بالمساجد، وفصل المشتريات عن المخازن والحسابات، كل ذلك لتنظيم العمل بما يرفع كفاءة الخدمة الدينية والاجتماعية في مصر.
أما على المستوى الدعوي، فقد كان دسوقي أباظة باشا رجل فعل قبل أن يكون مسؤولا إداريا، حيث وجه رؤساء المساجد والزوايا للعناية بنظام المساجد، وحرص على أن يتم مراعاة هذا الالتزام في الترقيات والعلاوات، كما وضع أنظمة للاحتفالات الدينية ومصروفاتها، ليضمن أن تكون المساجد أماكن للعبادة والارتقاء الروحي، وليس مجرد صوامع فارغة.
إن اهتمامه بهذا الجانب يعكس وطنيته العميقة وحبه لشعبه، حيث كان يرى أن الدين والعمل الاجتماعي والثقافي يجب أن يسيرا جنبا إلى جنب، لتحقيق التنمية الشاملة للأمة.
في النهاية، إبراهيم دسوقي أباظة باشا كان نموذجا للوزير الوطني الذي يجمع بين الكفاءة الفكرية والروح الوطنية، بين الحرص على التشريع والتنظيم والاهتمام بالجانب الإنساني والاجتماعي.
إن إرثه ليس مجرد قوانين أو قرارات، بل هو رؤية واضحة لكيفية إدارة وزارة الأوقاف بما يخدم مصر وشعبها، ورؤية لمجتمع متعلم ومتكاتف، يلتزم بالدين ويمارس عمله في أجواء من النظام والانضباط.
وهكذا، يظل دسوقي أباظة باشا علامة مضيئة في تاريخ مصر الحديث، رجلا كتب التاريخ بفكره وضميره، وعلمنا أن الوطنية الحقيقية تظهر في العمل الدؤوب من أجل رفعة الوطن وسعادة شعبه.