بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

مصطفى كامل.. رمز الوطنية وعطر تراب مصر

غدا، ونحن نستعد للاحتفال بذكرى وفاة مصطفى كامل في العاشر من فبراير عام 1908، أجد نفسي أعود بخيالي إلى تلك الأيام التي كانت مصر تنبض فيها بروح الوطنية الأولى، أيام كان فيها رجل واحد قادرا أن يشعل شعلة حب الوطن في قلوب المصريين. 

مصطفى كامل، هذا الزعيم الذي رحل عن عالمنا وهو لم يتجاوز الرابعة والثلاثين من عمره، ترك وراءه إرثا ثقيلا من النضال ضد الاحتلال البريطاني، وإيمانا لا يتزعزع بحرية مصر واستقلالها. 

رحيله المبكر لم يكن نهاية لمسيرته، بل كان بداية لتأثير ممتد على كل من جاء بعده، خصوصا جيل الوفد الذي نشأ على أفكاره ومبادئه، وجعل من الاستقلال الوطني قضية مركزية في حياته.

مصطفى كامل لم يكن مجرد سياسي عادي، بل كان رمزا للوطنية المبكرة، ومنارة أضاءت الطريق لكل من أراد أن يرى مصر حرة كريمة. 

أسس الحزب الوطني في عام 1907، وأطلق منبره السياسي والإعلامي عبر جريدة "اللواء"، التي أصبحت صوت الشعب المصري، ووسيلة لنشر الوعي السياسي والثقافي. 

كان مؤمنا بأن المعرفة والتعليم هما سلاح الأمة الحقيقي، ولذلك دعم انتشار التعليم ونشر الفكر الوطني، وساهم بشكل مباشر في النهضة الثقافية والفكرية التي شهدتها مصر في تلك الفترة. 

لم يكن نضاله ضد الاحتلال مجرد كلمات على الورق، بل كان واقعا ملموسا في كل خطاب، وكل مقالة، وكل جهد بذله في سبيل حرية بلاده.

تأثيره على جيل الوفد كان عميقا وواضحا، فقد خلف بعده محمد فريد قيادة الحزب الوطني، واستمر في صقل أفكار مصطفى كامل وتطويرها، حتى أصبحت أساسا للنهج الذي تبناه جيل الوفد لاحقا. 

هؤلاء الشباب، الذين تربوا على مبادئ مصطفى كامل، وجدوا في أفكاره منارة تهديهم في كل خطوة نحو الاستقلال، وتجعل من النضال الوطني مهمة مقدسة لا تقبل المساومة. 

ومن هنا، حتى وإن لم يكن مصطفى كامل هو مؤسس حزب الوفد نفسه، إلا أن روحه وأفكاره كانت النواة التي انطلق منها الوفد في مساعيه لتحقيق الحرية والسيادة الوطنية.

بالنسبة لي شخصيا، تعلمت من مدرسة الوفد معنى حب الوطن الحقيقي، ومعنى أن يكون الإنسان مستعدا للتضحية من أجل تراب بلاده، لقد وجدت في مبادئ مصطفى كامل وقيادة محمد فريد نموذجا للعمل الوطني الذي يعتمد على الإيمان بالوطن قبل كل شيء، ويزرع فينا الشعور بأن مصر ليست مجرد أرض نعيش عليها.

بل هي حلم مشترك ومسؤولية مستمرة، كل خطوة تخطوها في حياتك، كل كلمة تقولها عن وطنك، تتشكل في ضوء ما زرعته لنا هذه المدرسة العظيمة من قيم ومبادئ.

ومع مرور أكثر من قرن على رحيل مصطفى كامل، تبقى رسالته حية في وجداننا، إذ تجعلنا نعيد النظر في معنى الوطنية والحرية، وتذكرنا أن حب الوطن ليس مجرد شعارات، بل أفعال يومية وإصرار لا ينكسر أمام أي تحد. 

الوطنية التي علمنا إياها مصطفى كامل وجيل الوفد هي تلك التي تبدأ من القلب وتنتهي بالعمل، وهي التي تجعلنا نفهم أن مصر تستحق منا كل جهد وكل تضحية، وأن الإرث الذي تركه لنا أجدادنا لا يمكن أن يهدر.

حين أفكر في مصطفى كامل، أشعر بالفخر والإلهام معا، لأنه بالرغم من قصر عمره، ترك أثرا عميقا لم يمتد فقط في زمانه، بل امتد إلى أجيال لاحقة، وجعل من الوطنية شعورا حيا يتجدد مع كل ذكرى لرحيله. 

إنه مثال على أن الرجل الواحد يمكن أن يشعل شعلة في نفوس الكثيرين، وأن المبادئ الراسخة والعمل المستمر قادران على تغيير مسار التاريخ.

وبالنسبة لي، فإن هذه الذكرى ليست مجرد يوم عابر في التاريخ، بل هي دعوة متجددة كل عام، لأعيد تأكيد التزامي بحب الوطن، والاعتزاز بترابه، والعمل على أن أكون جزءا من استمرارية النهج الذي بدأه مصطفى كامل وجيل الوفد. 

إنها لحظة للتفكير في ما يعنيه أن تكون مصريا، وما يستوجبه حب الوطن من إخلاص وعمل مستمر، غدا، ونحن نحتفل بذكراه، أجد نفسي أعيد عهدا صادقا مع تراب مصر، وأتذكر أن الوطنية الحقيقية هي الشعور بالمسؤولية تجاه كل جزء من أرضنا، وكل نفس يعيش على هذه الأرض، وكل مستقبل نريد أن نتركه للأجيال القادمة.

مصطفى كامل، برغم رحيله المبكر، ظل رمزا حيا لكل مصري يحب وطنه، وكل من يريد أن يرى بلاده حرة ومستقلة، ذكراه تذكرنا دوما بأن حب الوطن لا ينتهي بموت الرجل، وأن المبادئ والقيم القوية تبقى مصدر إلهام للأجيال. 

ولذا، فإن الاحتفال بذكرى وفاته ليس مجرد تقليد تاريخي، بل هو فرصة لإعادة اكتشاف معنى الانتماء والالتزام تجاه مصر، وتجديد العهد بحبها والعمل من أجل رفعتها وكرامتها.