بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

أحمد لطفي السيد رمز النهضة والحرية في مصر

منذ أيام قليلة احتفلنا بذكرى ميلاد أحد أعظم مفكري مصر، أحمد لطفي السيد، الرجل الذي نال لقب "أستاذ الجيل"، والذي أضاء بفكره الليبرالي طريق الحرية والتقدم في مصر. 

أحمد لطفي السيد لم يكن مجرد مفكر سياسي أو مؤرخ، بل كان روح النهضة المصرية التي تجسدت في التعليم والثقافة والصحافة، وكان له دور بارز في تأسيس الجامعة المصرية، أول جامعة أهلية في بلادنا، التي أصبحت فيما بعد جامعة القاهرة، ذلك الصرح الذي ما زال يحمل شعلة العلم حتى اليوم. 

الحديث عن أحمد لطفي السيد يعني الحديث عن رجل آمن بأن حرية الفكر هي أساس تقدم الأمة، وأن المواطن المصري قادر على أن يختار مصيره بعقله وإرادته دون وصاية من أحد.

لقد آمن أحمد لطفي السيد أن الحرية ليست مجرد كلمة على الورق، بل ممارسة يومية في حياة الإنسان والمجتمع، وأن الدولة يجب أن تكون خادمة للشعب لا مسيطرة عليه. 

كان يؤمن بأن الشخصية المصرية مستقلة بذاتها، لا تربط سياسيا بعالم آخر، وأن القومية المصرية هي الأساس الذي يربطنا بوطننا ويمنحنا هويتنا الحقيقية. 

هذا الفكر كان ثوريا في زمانه، ولكنه اليوم يبدو لنا منطقيا وبسيطا، فهو ببساطة كان يطالب بأن نحب مصر ونعمل لأجلها بحرية وعقلانية.

وليس التعليم بعيدا عن رؤيته، فقد كان أحمد لطفي السيد القوة الدافعة وراء إنشاء الجامعة المصرية في عام 1908، وجعلها منارة للعلم والثقافة. 

لم يكتف بتأسيس جامعة للرجال، بل حرص على تعليم المرأة ومنحها الحق في التعليم، حتى خرجت أول دفعة من الطالبات في عهد رئاسته للجامعة عام 1932، في خطوة غيرت وجه المجتمع المصري وأثبتت أن التقدم لا يكتمل إلا بمشاركة الجميع. 

كان يعلم أن المعرفة ليست رفاهية، بل سلاح وحماية للوطن وللأجيال القادمة، وكان بذلك مثالا حيا على أن التعليم هو طريق الحرية الحقيقي.

أما دوره في الصحافة، فهو فصل آخر من فصول العطاء، فقد أسس أحمد لطفي السيد جريدة "الجريدة" عام 1907، لتصبح منبرا للأفكار الوطنية والليبرالية، حيث كان يكتب ويناقش ويواجه الفكر السلطوي ويحث الناس على التفكير الحر. 

ولم يقتصر دوره على الكتابة، بل ساهم في تأسيس أول نقابة للصحافة المصرية عام 1912، مؤكدا أن الصحافة الحرة هي العمود الفقري لأي مجتمع يريد أن يكون مستقلا وواعيا. 

كذلك كان من مؤسسي حزب الأمة، الذي نادى بالقومية المصرية ورفض التبعية الفكرية والسياسية للخارج، مؤكدا على استقلال مصر وحقوق شعبها في تقرير مصيره بنفسه.

لقد تعلمت على مدرسة الوفد حب الوطن وتراب الوطن، ولعل ما زرعه هؤلاء العظماء في نفوسنا جعلنا ندرك أن الحرية والمسؤولية هما وجهان لعملة واحدة. 

أحمد لطفي السيد لم يكن فقط مفكرا أو سياسيا، بل كان مدرسة بكاملها، تعلمنا منه كيف نحب مصر بلا شروط، وكيف نحمل راية الحرية بلا خوف، وكيف نؤمن بأن الفكر هو سلاح الأمة الحقيقية في مواجهة كل ما يحاول أن يقيدنا.

إن الحديث عن أحمد لطفي السيد يذكرني بأن حب الوطن ليس مجرد شعارات تقال في المناسبات، بل أفعال تتجسد في كل يوم نعمل فيه لأجل بلدنا، في كل جهد نبذله لتعليم الأجيال، وفي كل فكرة نزرعها في عقول الشباب لتكون شعلة تضيء المستقبل. 

لقد كان حلمه أن ترى مصر أمة متعلمة حرة مستقلة، ونحن اليوم ندرك أن تحقيق هذا الحلم يبدأ من إدراك قيمة الحرية، والانتماء الصادق، والعمل الدؤوب من أجل مجتمع أفضل.

أحمد لطفي السيد كان رائد الليبرالية المصرية، لكنه كان أكثر من ذلك، كان قلبا نابضا بالوطن، وفكرا متقدا بالحرية، وإرادة لا تنكسر في سبيل المعرفة والكرامة. 

واليوم، ونحن نحتفل بذكراه، علينا أن نتذكر أن الحرية لا تأتي إلا بالعمل والفكر، وأن حب الوطن ليس مجرد كلمات على صفحات التاريخ، بل التزام حي نعيشه كل يوم. 

فهو المعلم الذي علمنا أن مصر تستحق أن نحلم بها ونعمل لأجلها، وأن الطريق إلى التقدم يبدأ من احترام الإنسان لذاته وحقوقه، ومن تقديره للعلم والفكر الحر.

أحمد لطفي السيد ليس مجرد اسم في كتب التاريخ، بل هو إلهام لكل مصري يحب وطنه ويؤمن بأن مستقبله يبدأ من حرية فكره وعلمه، ومن واجبه أن يترك أثرا إيجابيا في المجتمع. 

وكلنا، ونحن نستذكر هذه الشخصية العظيمة، مدعوون لأن نحمل شعلة الفكر والحرية، وأن نواصل المسيرة التي بدأها، مسيرة العلم، والوطنية، والانتماء الحقيقي لمصر، بكل ما تحمله من فخر واعتزاز ودفء وجداني.