بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

لغتنا العربية جذور هويتنا

صناعة التأليف فى العصور الوسطى

عنى الأدباء العرب القدماء ببيان ما يلزم المؤلف فى تأليفه كتابه، وكثرت هذه النماذج، ومنها هذا الكتاب الذى نكتفى به عن عشرات الكتب فى هذا الباب. أنموذج من كتاب (جوهر الكنـز - تلخيص كنـز البراعة فى أدوات ذى اليراعة) (19): باب فى ذكر ما يحتاج إليه كاتب الإنشاء من العلوم والفضائل ليعد كاتباً: (ذكر علماء هذا الفن أن كاتب الإنشاء له أن يتشبث بكل فن، حتى ما تقوله الماشطة عند جلوة العروس، وما تقوله النادبة فى المأتم، وما يقوله المنادى فى السوق، فإِنه محتاج إلى ذلك، مضطر إلى معرفته، إذ الضرورة تلجئه إلى معرفة كل نوع، لا على سبيل التوغل فيه، لأن مواد الكتابة غير محصورة فى عدد معلوم، فيستحب للكاتب أن يتمسك من كل فن بما لا يجهل الاصطلاح فيه، ألا ترى أنه إذا كتب تقليداً بالخلافة يكون ولى عهد أو الخليفة اجتمع عليه، أو تقليداً لملك ملَّكه الخليفة، أو لملك يكون ولى عهد، أو تقليداً بنيابة الملك فى بلد الملك أو بالنيابة فى بلد بعيدة عن بلد الملك، أو تقليداً بقضاء الحكم، أو بولاية شرطة، أو بتدريس، أو نظر، أو حِسَبةٍ، أو نقَابةِ أشرافٍ، أو غير ذلك من أنواعِ الولايات كُلهِّا على اختلاف أجناسها وتَنوِّعها، فإِنه يحتاج إلى ما يقوله فى كل تقليد من هذه التقاليد، وأنْ يذْكر فى أنسابه ما يناسبُ صاحبَ ذلك التقليد، وحال وظيفته؛ فبهذا الاعتبار صار الكاتبُ مدفوعاً إلى معرفة كل شىء من العلوم والصناعات ليخاطبَ بها عند الحاجة إليها، ويأمرَ صاحب كل وظيفة بما يجبُ عليه فعلهُ، وينهى صاحب كلِّ وظيفة عما يجب النهى عنه فى وظيفته. وليس له وصول إلى بُلوغ مقاصدِه من مخاطبة كل أحدٍ بما يليق به والتمكن فى صناعته إلا إذا استعد لذلك بتحصيل أصولٍ يَرجع إليها»، ثم يذكر أنواعها من: حفْظ كتاب الله، وحفْظ جملة من الأحاديث، والاطلاع على أسرار الكتاب العزيز، ومعرفة الطريق إلى تعليم الكتابة وأوضاعها، ومعرفة النحو، ومعرفة اللغة العربية الحوشية وغير الحوشية، ومعرفة جملة من الفقه، والاطلاع على ما قاله المفسرون، وعلى جملة من التاريخ، ومعرفة الأحكام السلطانية، والاطلاع على صناعات غالب أرباب المعايش، ثم يذكر صفات الكاتب فيما قاله الجد تاج الدين - جد مختصر الكتاب، ووالد مؤلفه، وكانت أسرة المؤلف من كبار كتّاب دولة المماليك الأولى - أما هذه الصفات فهى: «أن يكون الكاتب من ذوى الثبوت، والسكون والسكوت، سليم الطباع خبيراً بالأوضاع صحيح الاعتقاد، بعيداً عن الانتقاد، متناسب الأدوات، عالماً بواقع السرعة والأناة، يكتم السّرّ، ويظهر البر، يكتفى باللفظة ويستغنى باللحظة، لا يستخفه السمع، ولا يلفته غرض، يسمع المناجاة، ويصرف المداجاة، ويفهم المحاجة، لا يغتاب ولا ينتاب ولا يتشكك فى حقيقة، ولا يرتاب، طاهر اليد، وقور النفس، صادق اللمحة، عالى الهمّة، يحافظ على الكتمان، ويرى المروءة من الإيمان» ثم يشرع فى تفصيل الصفات فى الكتاب، وعدد صفحاته 699 صفحة.
ولم يشأ أن يجعل كتابه فى علوم البلاغة فقط كما فعل السكاكى فى (المفتاح)، أو فنٍ من فنون القول كالبديع لابن منقذ، أو تحرير التحبير لابن أبى الإصبع، كما لم يجعله مقدمة لدراسة إعجاز القرآن كنهاية الإيجاز للفخر الرازى، ولا الإشارة إلى الإيجاز فى بعض صور المجاز كعز الدين بن عبدالسلام، ولا التبيان لابن الزملكانى، بل أراده جامعاً، ويبدو أن الأصل كان كبير الحجم، فهذا موجزه، يتحدث عن الوصف والمديح وشروطه، وصنعه الشعر، ومما يتصل بالتأليف ما تذْكره المصادر عن أنواعه بين: التأليف باسم أحد الحكام والإهداء إليه، وهى كثيرة عديدة، نظير آلاف الدنانير كالحيوان، والأغانى وغيرهما. إذ يكون المُهدَى إليه حاكماً أو وزيراً أو أميراً.
عضو المجمع العلمى المصرى، وأستاذ النقد الأدبى الحديث