المفكر السياسى الكبير د. حسام بدراوى فى حوار لـ«الوفد»:
30 يونيو منعت تحول مصر إلى دولة دينية
الصهيونية العالمية تتحكم فى الإرادة السياسية لأمريكا
تهجير أهالى غزة إلى سيناء يقتل القضية الفلسطينية
تديين الصراع العربى الإسرائيلى يصب فى صالح الحكم الدينى المتطرف
المفكر السياسى الكبير الدكتور حسام بدراوى أحد القامات البارزة على الساحة السياسية والثقافية والاجتماعية، وهو رمز وطنى مهم، ولد فى مدينة المنصورة عام 1951م وانتقل مع أسرته للقاهرة 1960م، تخرج فى كلية الطب وعين معيدًا بها 1974، حتى تولى رئاسة قسم أمراض النساء والتوليد فى كلية الطب بجامعة القاهرة، تلقى دراساته العليا أعوام 1979 إلى 1981 فى الولايات المتحدة الأمريكية من جامعة «واين ستين» بميتشجان ثم جامعة «نورث ويسترن» بشيكاغو، وانتخب عضوًا فى البرلمان المصرى ورئيسًا للجنة التعليم والبحث العلمى فى البرلمان من عام 2000-2005.
نال «بدراوى» الدكتوراه الفخرية فى العلوم من جامعة «ساندرلاند» ببريطانيا عام 2007 وانتخب فى العام ذاته عضوًا فى مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية.
عرف المفكر السياسى الكبير بمواقفه المستقلة، فهو من القلائل الذين اتفق على نزاهته من كافة التيارات السياسية، ففى عصر الرئيس الأسبق «مبارك» كان يلقب بـ«العاقل» داخل صفوف الحزب الوطنى، حيث كانت نداءاته وطلباته تتفق بقدرٍ كبير مع النداءات الداعية للانفتاح السياسى والديمقراطى فى مصر، فكان ضد تمديد حالة الطوارئ واعترض على انفراد الحزب الوطنى بالتعديلات الدستورية.
خلال ثورة 25 يناير 2011 لعب الدكتور حسام بدراوى دورًا سياسيًا مهمًا، حيث عبَّر منذ اللحظة الأولى عن حق المتظاهرين فى مطالبهم، ودعا الحكومة إلى الاستماع والاستجابة لهم، ما جعل «مبارك» مع تصاعد الأحداث -لما له من شعبية- والاستجابة لهم، يقوم بتعيينه أمينًا عامًا للحزب خلفًا لأعضاء هيئة المكتب، وخلال تلك الفترة عبَّر عن رأيه السياسى لمبارك بضرورة التنحى، وهو ما دفعه للاستقالة من الحزب بعد خمسة أيام من تعيينه يوم 10 فبراير، ثم أعلن اختلافه فى الرأى مع القيادة السياسية، وفى طريقة التعامل مع المتظاهرين ومطالبهم فى أثناء حكم الإخوان، فظلت مواقفه واضحة منذ اللحظة الأولى، برفضه الدولة الدينية التى اعتبرها تريد تلوين الشعب بلونٍ واحدٍ، واعتبر قرار الرئيس المعزول «مرسى» بعودة مجلس الشعب ترسيخًا للديكتاتورية المؤيدة من الولايات المتحدة، وكان من أوائل المنددين بتوغل سلطة «مرسى» على سلطة القضاء، مستنكرًا محاصرة المحكمة الدستورية العليا من قبل ميليشيات الإخوان.
أيد «بدراوى» حركة «تمرد» مع بدايتها، وأعلن أن إسقاط حكم الإخوان أصبح ضرورة ومخاطرة لابد منها قبل أشهر من ثورة 30 يونية، مؤكدًا أن الجيش سيقف بجانب الشرعية.


«بدراوى» له العديد من المؤلفات أهمها «التعليم الفرصة للإنقاذ» و«أنا والميمات» و«دعوة للتفكير» و«حوارات مع شباب الجمهورية الجديدة» و«الجرأة على التفكير» و«مصر التى فى خاطرى» و«الكيميرا» و«رومانسيات منسية» وغيرها من المؤلفات. «الوفد» التقت المفكر السياسى الكبير الدكتور حسام بدراوى، وهذا نص الحوار،،،
< فى إطار نظرية العلاقات الدولية الجديدة.. هل تتوقع أن يتحول العالم من مرحلة عالم القطب الواحد إلى مرحلة العالم متعدد الأقطاب؟
<< بالقطع.. سيكون هناك عالم متعدد الأقطاب، لكن القضية تكمن فى أن التوازن الذى كان متواجدًا عندما كان هناك قطبان اختل، فظهور توازن جديد بأقطاب متعددة بين الصين والولايات المتحدة لن يكون مثلما كان فى السابق، ولا بالشكل الذى نفكر فيه، وأعتقد أن هناك فوضى فى العلاقات الدولية ستظهر أكثر فى المرحلة القادمة.

< كيف ترى الوضع الراهن فى المنطقة فى ظل التوترات الحالية؟
<< أرى أن إسرائيل حققت كل ما تتمناه الصهيونية منذ بدء نشأتها، ابتداء من حرب 1948 إلى حرب 1956 إلى حرب 1967 والهزيمة المخزية إلى حرب 1973 التى أخذنا فيها جزئيات وتنازلنا عن بعض أشياء إلى ما يحدث اليوم، فعندما ننظر إلى الأمر فى النهاية سنجد أن الصهيونية العالمية تحكمت تحكمًا مطلقًا فى الإرادة السياسية لأكبر دولة فى العالم «الولايات المتحدة» وتحكمت فى السياسة الخارجية للدول الأخرى فى أوروبا (ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا) وأرى أنها تتحكم فى مصادر المال فى الشرق الأوسط بشكل أو بآخر، فليس هناك شىء حدث للصهيونية العالمية خلال هذه الفترة أفضل لهم من ذلك، هو أحقر ما يمكن فى تاريخ البشرية ولكنه الأفضل للصهيونية العالمية، فأولًا: نحن الآن نأمل فى إيقاف القتال فى غزة لكننا لانأمل فى شىء آخر، وثانيًا: هناك مأزق كبير جدًا –فى رأيى– مصر ستعيشه وتعيشه، وهو مأزق أننا نصبو إلى حل الدولتين، وأتخيل إذا كانت هناك دولة فلسطينية على الحدود المصرية، ما شكلها، هل ستكون دولة متعاونة أم دولة عدوا؟ وأعتقد أنه بهذا الشكل الذى يتكون من حماس وأذنابها، مصر ستواجه مشكلة، سواء كانت دولة فلسطينية أو دولة إسرائيلية، فلابد أن يكون تدخلنا ووجودنا أكثر تأثيرًا حتى لا يتحول الحل إلى مشكلة جديدة، فحق الشعب الفلسطينى أن تكون له دولته، ويكونون هم جزءًا من التكوين الذى حصل، فلا يوجد شىء فى العالم اسمه دولة دينية غير إسرائيل وإيران، والدولة الدينية ضد منطق الليبرالية والتعددية، فالقضية تحتاج النظر إليها بشكل مختلف.
< هل أحدثت ثورة 30 يونية تغييرًا ثقافيًا فى العقل المصرى وما الذى أضافته الثورة فى التاريخ الحديث لمصر؟
<< هناك شىء مهم أضافته ثورة 30 يونيو فى التاريخ الحديث لمصر، وهو أن الطبقة الوسطى فى مصر أصبحت قادرة على تغيير الوضع السياسى، لكن هل هذا يستدام، بالطبع لا، وهل هذا كان له تأثير على ما أتى بعده، أرى أن تأثيره كان سلبيًا، الحريات أصبحت أقل، وحرية التعبير أقل، تطبيق الفصل بين السلطات فى مصر أقل، فالشعب المصرى بطوائفه وفى طبقته المتوسطة العظيمة بجينات الحضارة بداخله وقفت أمام تحول الدولة إلى دولة دينية، ولكن يمكنها منع التحول إلى دولة ديكتاتورية بالإصرار على تداول السلطة والمحاسبية.
<< نعم هناك تغير حدث فى العالم، لكن هذا التغير ليس كما نعتقد، فما زالت الولايات المتحدة هى كما كانت وإنجلترا وألمانيا وفرنسا كما هى، وما زال هناك تعبير عن سخط من الشباب فى العالم، فإذا لم يستغل ذلك ولم نبادر باستخدامه استخدامًا جيدًا سينتهى هذا الحماس ويتبقى الوضع القائم كما هو.
< ما تقييمك لموقف مصر تجاه حل أزمة غزة وإعلان انضمامها لدعوى جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية؟
<< لا أعلم الظروف السياسية فى هذا الشأن، خاصة أننا نعيش أزمة مالية جبارة، ولا أستطيع أن أتصور الحكم على ذلك، لأننى لا أعلم التفاصيل، لكن بالقطع الوضع الحالى هو الوضع الأمثل المؤثر فى الأحداث، بدليل أن كل شىء يحدث فى الأغلب مصر لا تكون طرفًا فيه، مع أن مصر هى رمانة الميزان وستظل إذا أحسنا وضعنا الداخلى، فمصر الداخلية القوية هى مصر الخارجية المؤثرة، فما دمنا أضعف داخليًا فسنظل أقل تأثيرًا خارجيًا.
< ما تقييمك للمواجهة بين إيران وإسرائيل مؤخرًا.. وهل يصب ذلك فى مصلحة القضية الفلسطينية؟
<< أفكر فى إيران مثلما أفكر فى حماس، فهما يخدمان قضية أخرى غير التى نراها، فضرب صواريخ إيران لإسرائيل تمثيلية سخيفة ومتدنية، مثلما فعلت حماس مع إسرائيل، ونحن نعلم أنهم لا يتحملون المسئولية وحده فمن يتحمل المسئولية هو الشعب الفلسطينى، ومصر، فمصر هى التى تتحمل كل شىء بمفردها، فليس لدى ثقة فى التوجهات لا الإيرانية ولا الحماسية، ولا البراجماتية التركية وهى براجماتية تعمل لمصلحتها فقط، فلا يمكن الاعتماد عليهم فى خلق توازن مستقبلى.
< كيف ترى تديين الصراع الإسرائيلى العربى وتأثيره على القضية الفلسطينية؟
<< مأساة.. فتديين الصراع العربى الإسرائيلى يصب فى صالح الحكم الدينى المتطرف ويدفع الناس إما أن يكونوا مع أو ضد، فتديين الصراع فى غاية الخطورة على مصر، فيجب أن ننظر للقضية كقضية حق ووطن ونتعامل من هذا المنطلق، لكن إذا جعلناها قضية دينية فالكل خاسر.
< فى رأيك.. القرار الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة بمنح العضوية لفلسطين.. كيف يساهم ذلك فى حل الأزمة الراهنة.. وما هو العائد من ذلك؟
<< لا أرى أنه سيحل أزمة، فهى قرارات شكلية، فلو نظرنا إلى قرار الأمم المتحدة بعد حرب 67 كان يقول عودة الجيوش المحتلة إلى حدود 67 التى لا يتحدث عنها أحد الآن، ولا أحد يتحدث عن الجولان، فنحن نتحدث الآن عن غزة والضفة الغربية فقط، فالقضية شكلية فى الأمم المتحدة، لأن أمريكا والغرب الأوروبى متحكم تحكمًا مطلقًا فى النتيجة النهائية، فهذه كلها قرارات صورية ولكنها ليست قلب الأحداث.
< هناك موقف دولى داعم تجاه حل الدولتين حتى من أمريكا نفسها لكن ليست هناك إرادة حقيقية فى اتخاذ أية خطوات جادة نحو ذلك فما رأيك؟
<< هناك مماطلة من أمريكا، وفى كل مماطلة يمر بعدها عشر سنوات ثم نبدأ من نقطة تختلف عما سبقتها، وتختلف عما قبل 67، فنحن نخسر فى كل مواجهة حدثت ثم نبتدئ من نقطة جديدة، فحل الدولتين أخشى منه أن نكون فى النهاية أمام دولة دينية ويقود الصراع بين الدولة الدينية الحماسية أو الدولة الدينية اليهودية إلى صراع مع مصر.
< تصفية القضية الفلسطينية ومخطط تهجير أهالى غزة إلى سيناء.. كيف ترى ذلك؟
<< هذا جزء من سيناريو واضح المعالم، فسيناء ظلت هدفًا رئيسيًا طوال الوقت، وعندما جاء حكم الإخوان كان الاتفاق مع الغرب على ذلك، فلابد أن نضع فى اعتبارنا نظرة الغرب لنا، بأن مصر فيها 10 ملايين سورى ويمنى وعراقى وسودانى، فلماذا لا يزيد عليهم مليونا فلسطينى، وكل هؤلاء يحضرون إلى مصر، لأن مصر تستوعب الجميع، لكنهم ينتمون إلى بلادهم، فمصر لن تستطيع إيقاف تواجد الفلسطينيين بها من الناحية الإنسانية، لكن هذا يقتل القضية الفلسطينية تمامًا، لأنه لا توجد دولة يعودون لها، لكن توجد فقط إسرائيل الدولة المتطرفة الدينية الصهيونية التى لا تعترف أساسًا بما يحيط بها من دول.
< ما تقييمك لاستجابة الإعلام الغربى لتغطية الحرب الإسرائيلية فى غزة.. وهل هناك وجه مقارنة بينه وبين الإعلام العربي؟
<< لا أرى إعلامًا عربيًا من الأساس.. فأنا أتابع مظاهرات الطلاب فى الجامعات الأمريكية وليس هناك جامعة عربية واحدة خرج منها شاب، لأنهم مكبلون بحكوماتهم، فالإعلام العربى هو إعلام لحكومات العرب وليس إعلامًا حرًا، فنحن نخرج أوراقًا وبيانات، لكننا غير مؤثرين، للأسف نحن فى حالة انبطاح تام، ولا أريد إلقاء اللوم على العالم الإسلامى ولكن العالم العربى، فليس لى شأن بالديانات، ولكن بالأوطان وبالحريات المدنية، فليس من المعقول ما نراه من الشباب فى أمريكا وأوروبا ولا نراه فى بلادنا العربية، رغم أنَّ الشباب العربى لديه رغبة فى الخروج للتنديد بذلك.
< الإعلام فى زمن الحرب والصراع خاصة فى الحرب الروسية الأوكرانية والحرب الإسرائيلية على غزة هل هو ظالم أم مظلوم؟
<< بالتأكيد الإعلام الغربى جانٍ فى طرح الحرب الإسرائيلية على غزة، والإعلام الروسى جانٍ، أما الإعلام فى الشرق الأوسط فهو إعلام تائه، لكن الحرب الأوكرانية الروسية هى حرب بين الولايات المتحدة والغرب وروسيا، لكن متى ستنتهى وإلى أى شكل ستنتهى؟ لا أدرى.
< كيف ترى رؤية مصر 2030 فى التعليم؟
<< رؤية مصر 2030 فى التعليم رؤية محترمة جدًا، وتنقسم إلى خمسة محاور، الأول هو الإتاحة والجودة وعدم التمييز، ولا أرى هناك إتاحة مستقبلية وضعت لها خطط ولا جودة، وهناك عدم تمييز، المحور الثانى هو كيفية إدارة العملية التعليمية، وحوكمة إدارة التعليم والانتقال إلى اللامركزية، حيث تصبح المدرسة هى محور التطوير، وأرى أن ذلك لا يحدث، المحور الثالث: الرقمنة والذكاء الاصطناعى فى التعليم وإتاحته وجعله مندمجًا فى وجدان الطالب والأستاذ والإدارة، فهو ليس تابلت يعطى للطلاب وفقط، لكنه أساس فلسفى لفكرة الرقمنة والذكاء الاصطناعى، وأرى أن الاستثمار فى البنية التحتية فى الإنترنت جزء من تطوير التعليم، فلابد أن يكون التعليم فوق مستوى معلميه، فإذا لم نعمل على ذلك فلن يتحقق أى محور من ذلك، أما المحور الرابع فهو محور بناء الشخصية السوية المعتزة بهويتها، وببلادها التى تحترم تاريخها ولديها أمل فى المستقبل، فلابد أن يكون بالمدارس فن ومسرح ورياضة وموسيقى، ويكون هناك تواصل بين المدرسة والمجتمع المحيط بها، فالقضية لدينا شكلية وليست أساسية، المحور الأخير هو القدرة التنافسية، فقد فقدنا ميزتنا التنافسية فى العالم العربى، واحتل مكاننا الهنود والباكستانيون، فميزتنا التنافسية جزء مهم جدًا فى خلق الشخصية القادرة على أخذ المجتمع إلى الأمام، ولابد أن تأخذ الدولة كل محور من هذه المحاور الخمسة وتضع استراتيجيات وكل استراتيجية يكون لها زمن وموازنة ووسائل قياس، وهذا لم يحدث حتى الآن، فإذا لم تستدم الدولة فى تطبيق هذه الاستراتيجية فستصبح الرؤية لا جدوى منها.
< كيف يمكن مواجهة حروب الجيلين الرابع والخامس التى تقوم على هدم الدولة من الداخل وما علاقتها بمجال الذكاء الاصطناعى وتكنولوجيا المعلومات؟
<< هناك أخبار خاطئة تتكرر وتنتشر وتصبح فى أذهان الناس مرجعيات وقياسًا لأشياء أخرى تساعد على هدم الدولة، فلا شك أن هناك أشياء تحدث فى مصر جميلة ولا شك أن البنية التحتية المصرية حدث بها طفرة كبيرة جدًا، وهذا لا علاقة له بأنه لا توجد محاسبية ولا علاقة بوجود فساد أم لا، لكنه إجراء سليم، فعندما ننشر الأخبار السيئة والشائعات نجعل الشباب فى حالة إحباط، والدولة التى تكون فى حالة إحباط لا تنجح، فالشباب وقتها يسعى للسفر، بعيدًا عن وطنه بحثًا عن الرزق، وبالطبع حروب الجيل الرابع والخامس التى تخترق أذهان ووجدان المجتمع وتجعله سلبيًا فى غاية الخطورة.

< ماذا تعنى بمصطلح الدبلوماسية الثقافية؟
<< الدبلوماسية الثقافية تقوم على تبادل الأفكار والقيم والتقاليد وغيرها من جوانب الثقافة بين الأمم والشعوب لتعزيز الفهم والاحترام المتبادل، إنها ممارسة قديمة وأداة سياسية خارجية حيوية حديثة تلعب دورًا متزايد الأهمية فى شئون العالم، وفى العصر الحديث أصبحت الدبلوماسية الثقافية جزءًا لا يتجزأ من العلاقات الدولية، حيث استخدمت الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتى الثقافة كأداة للنفوذ السياسى خلال الحرب الباردة، والدول التى تتمتع بقدرة كبيرة على القوة الناعمة غالبًا ما تستخدم مواردها الثقافية مثل الأفلام، الموسيقى، والأدب، إضافة إلى ترويجها لقيم مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان لتعزيز صورتها فى العالم وللتأثير على الرأى العام العالمى، هذا النوع من التأثير يمكن أن يجعل الدول أكثر قدرة على تحقيق أهدافها الخارجية بطرق تكون أقل تكلفة وأقل خطرًا من استخدام القوة العسكرية أو الاقتصادية، والفكرة وراء القوة الناعمة هى أنَّ الجاذبية الثقافية وقيم الدولة يمكن أن تكون موارد مهمة تعادل وفى بعض الأحيان تتفوق على القوى العسكرية، وبالنسبة لمصر لا ننسى أنَّ الفيلم المصرى اسمه فى الشرق الأوسط «الفيلم العربى» وأنَّ النقود فى أغلب الدول العربية اسمها «مصارى» تأكيدًا لريادتها، كذلك فإنَّ الثقافة المصرية استوعبت كل من أتى إليها صديقًا أو حتى محتلا، ومن المعروف أنه كانت شهرة أى فنان تبدأ من مصر وأنَّ مصر وحدها تستوعب 9 ملايين عربى الآن بدون تسميتهم لاجئين. فمصر كانت تبعث المدرسين إلى كل مدارس العالم العربى بعد رحيل محتليهم، وفى أحيان كثيرة تدفع مرتباتهم الحكومة المصرية، والأزهر الشريف يستقبل الطلبة إلى الآن وهو دور كانت تقوم به جامعات مصر أيضًا، كذلك هناك زعماء وملوك ووزراء فى الدول العربية تعلموا فى مصر، ولابد أن زعامة مصر فى التعليم والثقافة كان لها أبلغ الأثر على كثير من البلدان المحيطة بها، وقد كان دور مصر الإفريقى يتعدى الجانب التجارى والعسكرى إلى احتواء ومساندة الشعوب الإفريقية، وفى عصر العولمة، حيث يتم تبادل المعلومات والثقافات بسرعة فائقة أصبحت القوة الناعمة أكثر أهمية من أى وقت مضى، إنها تلعب دورًا حاسمًا فى تشكيل الصورة الدولية للدول وتأثيرخها على الساحة العالمية.
< وما أهم آليات الدبلوماسية الثقافية ومدى أهميتها على الساحة الدولية؟
<< آليات الدبلوماسية الثقافية متعددة ويلعب الملحقون الثقافيون دورًا فى غاية الأهمية لا يجب أن يؤخذ كوظيفة عادية بل لا بد أن من يشغله يكون قادرًا على نشر الثقافة، إن البروتوكولات والاتفاقات الدولية بشأن الحفاظ على الثقافة مهمة جدًا وتشارك مصر بنشاط فى هذه الاتفاقيات بهدف الحفاظ على التراث الثقافى ومكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية وضمان استرداد الآثار التى تم تصديرها بشكل غير قانونى من خلال هذه الجهود تعزز مصر التعاون الدولى وتؤكد الأهمية البالغة للحفاظ على الثقافة، وهناك أمثلة لكيفية استخدام مصر لبعدها الثقافى ليس فقط كامتداد لسياستها الخارجية ولكن كأصل استراتيجى لتعزيز حضورها العالمى وتعزيز الشراكات الدولية وترويج التفاهم والاحترام المتبادل بين الأمم، ولدينا ما هو ليس لغيرنا وهو «علم المصريات» ويلعب دورًا مهمًا فى الدبلوماسية الثقافية بالمساهمة فى إحياء الاهتمام بالتراث والثقافة المصرية، مما يعزز الهوية الوطنية لمصر ويبرز أهميتها على الساحة الدولية وتعزيز السياحة والشراكة فى الاكتشافات الأثرية والمعارف الجديدة التى يقدمها علماء المصريات، مما يدعم الاقتصاد المحلى ويعزز الدبلوماسية الثقافية، فمصر بتاريخها العريق وثقافتها الغنية تملك موارد ثقافية هائلة يمكن أن تستخدمها بفاعلية فى الدبلوماسية الثقافية على الساحة الدولية، الدبلوماسية الثقافية تعتمد على استخدام الثقافة كوسيلة لتعزيز العلاقات الدولية، وتشجيع التفاهم المتبادل وتزيز السلام بين الدول. فمصر تستطيع أن تكون دولة عظيمة إذا أحسن استغلال مواردها الأساسية والتاريخية والثقافية.
< لكم مؤلف بعنوان «أنا والميمات» ماذا تقصد بهذا الاسم، وما أهم الأفكار التى أردت طرحها فى هذا الكتاب؟
<< هذا كتاب جامع شامل لأفكار تداولتها حوارات مع الشباب «الحالمين بالغد» ومع نفسى وأسرتى بدأته بفصل أسميته «من أين أبدأ» أجبت فيه عن أسئلة من الشباب والأصدقاء حول كينونتى وبذور نسيج وجدانى، أما اسم الكتاب فأتناوله فى الفصل الأول، فهو يتكلم عن الأفكار وكيفية انتشارها وربطها بنظرية التطور، وأعتقد أن أقوى ما فى الحياة وأقوى من الجيوش هى «الفكرة» حينت يأتى أوان خروجها للنور، والعقل الواعى هو القادر على احترام الفكرة حتى ولو لم يؤمن بها، لذلك خصصت بضع صفحات للحوار حول الوعى وأهميته، وللأفكار وكيفية انتقالها من إنسان لآخر، من جيلٍ إلى جيل ومن زمن إلى زمن.
الميم بالإنجليزية «mem» هو مصطلح يقصد به فكرة أو تصرف أو أسلوب ينتشر من شخص لآخر داخل ثقافة ما، غالبًا يهدف لنقل ظاهرة معينة أو معنى متمثل فى هذه الفكرة، يعمل «الميم» كوحدة لحمل الأفكار الثقافية أو الرموز أو الممارسات والذى يمكن أن ينتقل من عقل لآخر من خلال الكتابة أو الحديث أو الإيماءات أو الطقوس أو أى ظاهرة أخرى قابلة وللتقليد يربط بينها صورة عامة، قد تكون الفكرة بسيطة، وقد تكون مركبة، ويعتبر مؤيدو المفهوم أن «الميم» نظير ثقافى للجينات فى أنها تضاعف نفسها وتتحور وتتطور وتستجيب للضغوط الانتقالية.

«الميمات» جعلته عنوانًا للكتاب، لأنه كتاب حول الأفكار والمفكرين وهو دعوة للمجتمع لاستخدام أفضل ما فينا كبشر، وما ميزنا به الخالق عن بقية خلقه، وهو العقل لنشر أفكارنا، الفصل التالى خصصته للكتابة عن عظماء صنعوا وجدانى، ووجدت الحديث عنهم، ومعهم، يوثق امتنانى لهذه الشخصيات واعترافى بجمالهم وجميلهم وتأثيرهم الإيجابى على حياتى، وفى الفصل الثالث أركز على ميمات القيم وأفكار تناولتها حواراتى مع الشباب والأسرة حول القيم وتلقيت لومًا حادًا من بعضهم عن مسئوليتنا عن ضياع الكثير من معانى هذه القيم، بثنائية تصرف جيلنا ومن سبقونا مع قلب وفلسفة هذه القيم التى نتغنى بها، ونفاق المجتمع المتدين شكلًا، والمتعصب أحيانًا كثيرة متناقضًا مع قيم الأديان التى تحث على السماحة والمحبة والمودة والغفران، وفى الفصل الرابع أعود إلى «ميمات البهجة والسعادة» وأذكر القراء بالاختلاف بين المتعة والسعادة علميًا. وفى الفصل الخامس أسبح وأطير أحيانًا بمجموعة من الحوارات التى تبدو فلسفية فى كينونة البله ومحاولات تبسيط فهم الزمن والمسافات والأكوان المتوازية وأعود فيها إلى الأرض فى حوارات وأصعد مع أفكارى لماهية الوعى وعلاقته بفيزياء الكم وتبجيل العلم والعلماء.
< أخيرًا.. ماذا عن طموحاتكم على المستوى الشخصى والعام؟
<< طموحى الشخصى هو ذاته طموحى العام، أرى أن بلدى بها أسس الحضارة والقدرة على أن تحقق الاستدامة لأهدافها، وهذا يرضينى شخصيًا وإنسانيًا ووطنيًا، فكل ما أريده لبلدى أن تكون مكانًا لأولادى وأحفادى، وأولادهم يحبون أن يعيشوا فيه.