سينوت حنا .. البطل الذي ضحى بروحه لأجل مصر
سينوت حنا، اسم ينبض بالوفاء للوطن وبالولاء للقيم التي ارتقى بها المصريون على مر العصور، هذا الرجل الذي ولد في محافظة أسيوط عام 1874، عاش حياة مليئة بالنضال من أجل وحدة مصر وحريتها، حياة لم يعرف فيها الطمع في المناصب، بل كان زاهدا في السلطة، مكرسا جهده وفكره لخدمة وطنه ورفع شأنه بين الأمم.
منذ بداياته، كان سينوت حنا قريبا من أعظم الشخصيات الوطنية، فقد كان صديقا شخصيا لمصطفى كامل زعيم الحزب الوطني، وشريكا فعليا لأبرز قادة الحركة الوطنية، مثل ويصا واصف، وهكذا بدأ مسيرته السياسية في أوساط النخبة الوطنية، حاملا هموم الوطن في قلبه وعقله.
مع مرور الوقت، أصبح سينوت حنا واحدا من أبرز أعمدة الوفد المصري، مشاركا في كل خطوة من خطوات النضال من أجل استقلال مصر.
في عام 1908، التقى بسعد زغلول، وبدأت علاقة وطيدة مليئة بالاحترام المتبادل، وساهم في توحيد الصف الوطني ضد الانقسامات الطائفية والسياسية التي كانت تحاول أن تقسم مصر.
لم يكن دوره فقط سياسيا، بل كان حاميا للوطنية الحقيقية، فقد وقف ضد أي محاولة لتأسيس أحزاب طائفية، ونسق جهوده مع أخيه بشري حنا ومع مطران أسيوط في المؤتمر القبطى عام 1911 للحفاظ على وحدة الشعب المصري، رافعا العلم الوطني عاليا، ومؤكدا أن الولاء للوطن فوق أي انقسام ديني أو طائفي.
خلال الثورة العظيمة عام 1919، لم يتردد سينوت حنا في المساهمة مع الوفد المصري في باريس، مدافعا عن حقوق مصر واستقلالها أمام العالم.
كان دائما إلى جانب سعد زغلول، وبعد وفاته استمر في السير على خطى الوفد، مكرسا حياته لدعم مصطفى النحاس في مواجهة التحديات السياسية، خصوصا خلال الصراع من أجل إسقاط دستور 1930 وإعادة دستور 1923، حماية للمبادئ التي ضحى من أجلها الوطنيون الأوائل.
لكن أعظم لحظات بطولته كانت في يوم 8 يوليو 1930، حينما كان يرافق مصطفى النحاس في جولة بمدينة المنصورة، وهاجم أحد الجنود النحاس محاولة اغتيال.
دون تردد، تصدى سينوت حنا للهجوم، ملقيا بجسده ليحمي زعيمه، متلقيا الطعنة القاتلة التي أودت بحياته بعد أيام قليلة، هذه التضحية التي لم يطالب فيها بمجد شخصي أو مكافأة سياسية، تكشف حجم التزامه بوطنه ووفائه لمبادئه، وتثبت أن الوطنية الحقيقية ليست مجرد كلمات، بل أفعال تكتب بالدماء أحيانا.
سينوت حنا لم يكن فقط سياسيا، بل كان مفكرا وكاتبا، نشر مقالاته تحت عنوان "الوطنية ديننا والاستقلال حياتنا"، وساهمت هذه الكتابات في تعزيز الوحدة الوطنية بين جميع المصريين من مختلف الديانات.
وكان زاهدا في المناصب، لكنه حاضر دائما في الميدان، حاضر بأفكاره وأفعاله، حريصا على أن تبقى مصر موحدة قوية، لا يقسمها أي اختلاف ديني أو سياسي.
إن قصة سينوت حنا هي درس للأجيال الجديدة، درس في التضحية والإخلاص، درس في الوطنية التي تتجاوز الطائفية والضيقة الفكرية، إنه نموذج للرجل الذي رفع وطنه فوق كل شيء، وعاش مؤمنا بأن الانتماء الحقيقي للوطن هو أسمى القيم.
اليوم، ونحن نقرأ سيرته ونستذكر مواقفه، نرى أمامنا مثالا حيا لمناضل لم يطلب شيئا لنفسه، ولم يضع مصالحه فوق مصالح وطنه، رجل عاش ومات من أجل أن تبقى مصر موحدة حرة.
سينوت حنا سيظل في الذاكرة المصرية رمزا للوفاء الوطني، للزهد في المناصب، وللإيمان بوحدة الشعب، وقيمته الحقيقية لا تقاس بما حققه في الحياة السياسية فحسب، بل بما قدمه من تضحية وشجاعة، وبالحب الكبير الذي زرعه في قلوب كل من عرفوا تاريخه.
وبينما يمر العالم بثقافة التطرف والصراعات العقائدية، يظل سينوت حنا مثالا للسلام الوطني والوفاء الذي يحتاجه كل إنسان يحب وطنه بصدق.