المناضل علي سلامة.. رمز الحرية والديمقراطية في مصر
علي إبراهيم سلامة، ذلك الاسم الذي لا يمكن أن يذكر دون أن تتردد معه أصداء الوفدية في مصر، كان رمزا للنضال السياسي والشعبي، وصوتا للعدالة والحرية على مدار حياته.
ولد علي سلامة في قرية المنوات بمحافظة الجيزة في الأول من يوليو عام 1917، في زمن كانت مصر فيه تحت وطأة الاحتلال الإنجليزي، وعاش طفولته المبكرة بين أروقة السياسة الوطنية، متأثرا بزعماء الأمة العربية وسيدات مصر الأوفياء للوطن، وعلى رأسهم سعد زغلول ومصطفى النحاس باشا.
منذ نعومة أظافره، وحتى لم يتجاوز العاشرة، كان علي حاضرا في المظاهرات الشعبية التي خرجت ضد الاحتلال، متعلما حب الوطن والنضال من مدرسة الوفد العريقة التي جسدت الوطنية والمقاومة.
تربى علي سلامة على المبادئ الوفدية الأصيلة، وكان من القلائل الذين لم يساوموا على قيمهم، حتى في وجه أنظمة السادات ومبارك، حيث قاد المعارضة بجرأة وشجاعة، متمسكا بفكرة التعددية الحزبية والديمقراطية التي كان يؤمن بأنها الطريق الحقيقي لتحقيق حرية المواطن وكرامته.
كان عليه دور محوري في إعادة حزب الوفد إلى الحياة السياسية بعد أن جرى حله في أعقاب ثورة 1952، حيث جمع التوقيعات من النواب الوفديين وغيرهم لضمان استيفاء شرط الرئيس السادات لإنشاء أي حزب، ليعلن بكل فخر تحت قبة البرلمان في الأول من يونيو عام 1977 عبارة خالدة: «نحن الوفديين»، معلنا العودة العظيمة لحزب الوفد من قلب البرلمان بعد غياب ربع قرن.
لم يكن نضال علي سلامة مقتصرا على السياسة فحسب، بل امتد إلى العمل الاجتماعي والتنموي، فكان من أوائل من أسسوا المدارس في قري جنوب الجيزة، لتكون منارة العلم التي أضاءت طريق التعليم أمام آلاف الشباب، وأسس معاهد أزهرية لتكون منبرا معرفيا لأهالي قريته والمناطق المحيطة.
كما عمل على توفير الرعاية الصحية من خلال إنشاء مركز طبي يخدم الأهالي، دون أن يسعى لمكاسب مادية، فقد عاش علي سلامة حياته بلا جني واحد من وراء أعماله، معززا قيم النزاهة والشفافية والصدق في القول والعمل.
كان علي سلامة دائما في الصفوف الأمامية لنضال العمال والفقراء، فهو من قاد الحركة العمالية، ودافع عن حقوق العمال داخل البرلمان، وواجه القهر الإداري والفساد السياسي بجرأة، حتى بلغ الأمر به إلى أن يرفع حذاءه في مجلس الشعب احتجاجا على ممارسات وزير الداخلية، في موقف صار علامة في تاريخ البرلمان المصري.
كما قدم عددا من الاستجوابات التاريخية، مثل متابعة الانحرافات في قطاع الإسمنت وحادثة اعتداءات رجال الشرطة على أهالي الكوم الأحمر، مؤكدا على أن دوره لم يكن شعارات على الورق، بل نضالا يوميا من أجل العدالة الاجتماعية وكرامة المواطن.
مسيرة علي سلامة السياسية لم تخل من السجن والنفي، فقد ذاق بطش السلطة أكثر من مرة بسبب مواقفه الوفدية الصادقة، وأثبت أن الوطنية ليست مجرد كلمات، بل مواقف يتجاوز فيها الفرد المخاطر والتحديات من أجل وطنه.
وقد تدرج في المناصب الإدارية والوزارية منذ منتصف الثلاثينيات، عمل في وزارات الزراعة والشئون الاجتماعية والصحة والمواصلات والداخلية والأوقاف والإصلاح الزراعي، ليصبح نموذجا للمسؤول الصادق والمخلص، الذي يضع مصلحة الوطن قبل أي اعتبار شخصي.
وعلى الرغم من كل معاركه السياسية والاجتماعية، لم يغفل علي سلامة تربية أجيال جديدة على مبادئ الوفد، فكانت حياته مدرسة للقيادة والوفاء، وترك أثرا لا يمحى في كل من خاض معه دروب النضال، بدءا من طلعت رسلان وعبد المنعم حسين ونعمان جمعة وصولا إلى كل شباب الوفد الذين تعلموا منه معنى التضحية من أجل المبدأ والوطن، فقد كان علي سلامة ليس مجرد سياسي، بل معلما ومرشدا للأجيال، يعلمهم أن الوطنية والوفاء للوطن والحزب لا يقدران بثمن.
ظل علي سلامة حتى رحيله في عام 2001 ركيزة أساسية في حزب الوفد، حيث شغل منصب السكرتير العام المساعد وعضو الهيئة العليا منذ عودة الحزب للحياة السياسية عام 1978.
كانت حياته شهادة حية على أن الوفدية ليست مجرد انتماء سياسي، بل عقيدة حياة، وأن النضال من أجل الوطن والمواطن ليس مجرد شعار، بل فعل وإيمان لا يلين.
وقد أصبح اسمه مرتبطا بقريته، المنوات، التي شهدت حياته ونضاله، وأصبحت تفتخر بأنه ابنها، كما بقيت مواقفه ومبادئه مصدر إلهام لكل من جاء بعده من أبناء مصر.
علي سلامة عاش الوفد وعاش في خدمة وطنه، وكان كل قطرة من دمه وفدية وفداء للوطن، وبقيت سيرته العطرة ذكرى خالدة ترفع من قيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وتزرع في نفوس كل من عرفه أو سمع عن مواقفه أن الوطنية ليست مجرد شعارات، بل حياة كاملة تعاش من أجل الحق والكرامة.
وعليه، فإن رحيله لم يكن نهاية لقصة، بل بداية لموروث كبير من الوفاء والمبادرة، يظل علي إبراهيم سلامة رمزا خالدا للنضال، ومثالا لكل مصري يحب وطنه ويريد أن يرى مصر حرة كريمة، تنعم بالديمقراطية والعدالة والحرية التي قاتل من أجلها طوال حياته.