بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

وراء كل مسجد حكاية..

تحفة معمارية.. حكاية بناء مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية

مسجد القائد إبراهيم
مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية

 رمضان فى محافظة الإسكندرية حاجة ثانية، يسقبل السكندريون شهر رمضان المبارك بسعادة وبهجة، والمساجد تمتلئ بالمصلين في أجواء روحانية وإيمانية، فيما تزينت الشوارع والجوامع بالزينة والإضاءة، تحظى مدينة اإسكندرية بالمساجد التراثية والأضرحة العديدة التى لكل منها رواية.

 لذلك تقدم "الوفد" على مدار الشهر المبارك سلسلة "وراء كل مسجد حكاية" فى شهر رمضان، تتناول قصص المساجد والأضرحة مع المصلين وأجواء صلاة التروايح. 

 وكنا الحلقة الماضية تحدثنا عن قصة مسجد مرسى أبو العباس بمنطقة الجمرك بغرب الإسكندرية، وهو يعتبر فى مقدمة المساجد التى يأتى إليها جميع المصلين لأداء صلاة التراويح.

"الحكاية الثانية"

 عندما تسير على كورنيش الأسكندرية تجد أمامك مسجدًا عريقًا بوسط المدينة، تحفة معمارية، تلتفت إليها دون أن تدري، بسبب روعة التصميم وشكل المآذنة المميز المتفرد، مسجد القائد إبراهيم، أو «جامع إبراهيم»، أحد أشهر المساجد، الذي يعد علامة مميزة بعروس البحر المتوسط، الذي كان لبنائه قصة وهدف، الذي يشبه إلى حد كبير الميادين الموجودة في المدن الأوروبية. فهو لم يكن مسجدًا تاريخيًا تراثيًا فحسب، يقع في منطقة تراثية قديمة، ولا يرتبط اسمه بقائد عظيم له سيرة ذاتية مشهورة، بل هو واحد من أهم وأشهر مساجد الإسكندرية، الذي يتهافت عليه آلاف المصلين لإقامة صلاة التراويح والتهجد لسنوات عدة.

تصميم مسجد القائد إبراهيم

 مئذنة عالية، تتوسطها ساعة، وزخارف قديمة صممها المعماري الإيطالي ماريو روسي، كل هذا يتجمع في مسجد القائد إبراهيم، أحد أقدم المساجد في العاصمة الثانية الإسكندرية، المسجد الذي يطل على كورنيش الإسكندرية، في موقع متميز، اشتهر لكونه قبلة للمصلين، خصوصًا في شهر رمضان المبارك. وصمم وأنشئ على يد المهندس الإيطالي ماريو روسي على مساحة 2000 متر مربع، على نسق جمالي رائع، يخطف القلوب والأنظار، عند افتتاحه عام 1951، أرسل الملف فاروق وزير الأوقاف مندوبًا لافتتاحه، وتم ذبح الذبائح وتوزيع اللحوم والنقود على الفقراء ابتهاجًا بافتتاح المسجد الكبير.

 

"نشأة المسجد"

 أنشئ المسجد عام 1948 فى الذكرى المئوية لوفاة إبراهيم باشا، الابن الأكبر لمحمد علي باشا والي مصر. على مساحة ألفى متر مربع، صمّمه المهندس الإيطالى الأصل «ماريو روسى» الذى كان يشغل منصب كبير مهندسى الأوقاف، واستخدم «روسى» زخارف و«موتيفات» ذات نسق جمالى متزن من مختلف العصور الإسلامية، فاشتهر المسجد بمئذنته الطويلة الرشيقة ذات الطابع المملوكى التى تتميز بوجود ساعة فيها، كما عرف بمحرابه الشاهق. وهناك تتجلى المدرسة الأندلسية فى العمارة من خلال الواجهة التى تتكون من عقود مفصصة، أما نظام الإضاءة والنجفة بساحة الصلاة الرئيسية، فقد صمما على الطراز العثمانى.

 

مسجد القائد إبراهيم أشعل الثورة ضد الإخوان

 دائمًا ما كان الميدان المواجه لمسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية هو الساحة التي شهدت جميع الفعاليات الثورية، بداية من ثورة يناير، والاحتجاجات المتصاعدة ضد حكم جماعة الإخوان، وصولًا بانطلاق ثورة 30 يونيو، حيث اجتمعت بساحته مختلف التيارات والأطياف السياسية، الذين اجتمعوا على ضرورة رحيل جماعة الإخوان.

 

 

 قال أحمد السمان “بالمعاش”، أحد رواد المسجد، مند عمرى عشرات السنين وأنا أحضر إلى المسجد مع والدى للصلاة، خصوصًا فى شهر رمضان، نأتى إليه مخصوص لأداء صلاة التراويح والاستمتاع بالروحنيات الرمضانية بالمسجد.

 وعلى مدار سنوات طويلة يشهد ساحات مسجد القائد إبراهيم تهافت المصلين وذلك للصلاة خلف الشيخ حاتم فريد الواعر، صاحب الصوت العذب، وأشهر الأئمة في المدينة الساحلية، وحتى بعد رحيله حاولت مديرية الأوقاف عودة مشاهد التزاحم على ساحة المسجد مرة أخرى، وذلك من خلال تعيين، أو ندب أئمة ذوي أصوات عذبة لمعرفة مكانه وأهمية صلاة التهجد والتراويح داخل المسجد.

 

الجو الروحاني بمسجد القائد إبراهيم مختلف

 وقال الشيخ محمد عبدالسلام، أحد الأئمة السابقين بمسجد القائد إبراهيم، إن الشهر الفضيل له إحساس مختلف مع إقامة التراويح، أهم الشعائر في شهر الصيام، مشيرًا إلى أن مسجد القائد إبراهيم تحديدًا له تاريخ عريق في مصر والدول العربية، حيث يأتي إليه المصلون من كل مكان، إذ يتواجد بالمسجد جو روحاني قلما يوجد في مكان آخر، وبالذات في شهر رمضان، شهر الطاعة والرحمات.

 أضاف عبدالسلام، أن المسجد يتميز بروحانيات عالية وإيمانيات رائعة، خصوصًا مع ما تقدمه وزارة الأوقاف من أئمة مميزين في الصوت والحفظ والإتقان تهنوا إليهم القلوب وتدمع مع قراءتهم العيون، حتى أضحى المسجد علامة مميزة في محافظة الثغر عروس البحر الأبيض المتوسط.

 

احتشاد المصلين لأداء التراويح

 

 يقول على الصائم، أحد رواد المسجد، المصلون يقبلون على المسجد من مناطق متعددة، وقبل زمن الكورونا، كان تعداد المصلين، خصوصًا في العشر الأواخر بالآلاف، ويلتف المصلون من حول المسجد إلى ميدان محطة الرمل وميدان صفية زغلول والكورنيش، حيث تتعطل حركة المرور وتغلق بعض الشوارع لكثافة عدد المصلين.

 يُعد مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية أهم المساجد بالمحافظة، الذى يُقْبِل الآلاف من المواطنين عليه لصلاة التراويح فى شهر رمضان الكريم، الذى كانت تسيطر عليه بعض العناصر المتشددة، وحرصت مديرية الأوقاف بالإسكندرية على توزيع أفضل الدعاة والأئمة فى كبرى المساجد بالمحافظة، بناءً على طلب المواطنين فى رغبتهم بختم القرآن فى صلاة التراويح فى شهر رمضان، بصحبة إمام صوته عذب.

 

 قال الشيخ محمد عبدالله، أحد الأئمة، إن مسجد القائد إبراهيم واحد من المساجد المهمة بمحافظة الإسكندرية الذي كان وراء بنائه قصة، وأنه لم يكن مخطط بناء أي مسجد في المنطقة التي شيد بها، حيث كانت منطقة خالية لفترة كبيرة وكانت تابعة للكرانتينا.

 أضاف أن قصة المسجد بدأت مع تولي الملك فاروق حكم مصر رسميًا عام 1936، وعند زيارته لمدينة الإسكندرية وتفقد شوارعها رأى المواطنين يفترشون ميدان محطة الرمل «سعد زغلول» للصلاة في الشارع، وكان هناك مطالبات من الأهالي بوجود مسجد، فوجه الأوقاف ببناء مسجد في هذه المنطقة.

 وتابع، أنه بعد تفكير استقرت الأوقاف في عام 1941، على بناء مسجد بمنطقة ميدان محطة الرمل، وإطلاق إسم جامع «الميناء الشرقي» عليه لإطلالته على الميناء، ولكن ظهرت بعض المعارضات حينها، أولها أن المكان الذي خُصص للمسجد مساحته صغيرة، فضلًا عن أن تلك المنطقة بها محلات كثيرة وبعضها يبيع الخمور في تلك الفترة، لذا اعترضت المحلات على إقامة المسجد في ذلك المكان، ليعقب ذلك إندلاع الحرب العالمية الثانية، التي عانت الإسكندرية خلالها من مشاكل كثيرة لينتهي الأمر بعدم إنشاء المسجد بسبب الأحداث المتعاقبة.

 وأوضح أنه في عام 1948 كان هناك حدث مهم، وهو الذكرى المئوية لوفاة إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا، وتوافق ذلك مع إقبال مصر على المشاركة في حرب فلسطين.

 لذا قرر الملك فاروق إعادة فكرة بناء مسجد في مدينة الإسكندرية، يحمل اسم إبراهيم باشا تخليدًا لذكراه، ووقع الاختيار على المكان الذي عليه المسجد الآن، الذي كان يقع أمام القنصلية البريطانية في تلك الفترة، حيث تم البدء في بناء المسجد عام 1948، بهدف إحياء ذكرى مئوية إبراهيم باشا، ورجوع فكرة القائد إبراهيم محارب الأسرة العلوية وتذكير الشعب بتاريخه، خاصة مع توافق توقيتها بدخول مصر حرب فلسطين، حيث كان الهدف من بناء المسجد سياسيًا عن جدارة لبث الحماس في الشعب المصري.

 أشار إلى أن مصمم مسجد القائد إبراهيم هو المعماري الإيطالي ماريو روسي، الذي أسند إليه بناء المسجد، عقب فترة انتهاء عمله في وزارة الأوقاف ولكن كان حينها مستشارًا لها، لافتًا إلى أن هناك أقاويل بأن من صمم المسجد هو فهمي باشا المسؤول عن القصور الملكية، ولكن طريقة تصميم المسجد تؤكد أن "روسي" هو من قام بتشييد جامع القائد إبراهيم، حيث إن النجفة المميزة بداخل المسجد من تصميم ماريو روسي وهي إهداء الملك فاروق من نقود الملك الخاصة للأوقاف.

 

 وتابع أستاذ مساعد التاريخ المعاصر والحديث، أنه عقب ما تم في حرب فلسطين أصبح الهدف السياسي الذي بني من أجله المسجد غير موجود، وتم الانتهاء من المسجد في 1951، حيث أرسل الملك فاروق وزير الأوقاف مندوبًا عنه لافتتاحه، وتم ذبح الذبائح وتوزيع لحومها على الفقراء، وتوزيع النقود على العمال، وافتتح المسجد في هدوء تام.

 وأكد أن مسجد القائد إبراهيم متميز لأنه جاء في فترة مهمة من فترات ماريو روسي المعمارية، عقب تشييده مسجد المرسي أبو العباس، وسيدي تمراز، ومحمد كريم، والملك الصالح، فضلًا عن مساجد القاهرة، منها الثورة وعمر مكرم، وغيرهما، لافتًا أن المسجد مسجل في مجلد التراث المعماري لمدينة الإسكندرية.

 وأضاف، أن  شرفة المؤذن صممت من الخشب، تم بنيت من الحجر بعد ذلك، وبداخل المسجد طرز مختلفة من الزخارف المميزة، فضلًا عن القرميد الأحمر أعلى المسجد، فلم يُبنَ قبة مثل القباب المعتاد عليها في المساجد، واستخدم «روسي» جميع الفنون الإسلامية، بداخل المسجد وصممه بمزيج بديع من العمارة الأيوبية والمملوكية، والعثمانية.

 أشار إلى أنه يتواجد بداخل المسجد محرابان، المحراب الأول يتماثل مع محراب مسجد أبو العباس، والمحراب الثاني في المصلى الداخلي الثانوي، هو نفس محراب مسجد الملك الصالح بالمنتزه، وهو ما يعد دليلًا على أن من صمم مسجد القائد إبراهيم هو ماريو روسي، وأحد روائع المعماري الإيطالي.