بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

رسالة إلى أصحاب الأغلبية المفرطة‮..!!‬

وقع خطأ مادي‮ ‬في‮ ‬نهاية مقال الأسبوع الماضي‮ ‬حيث جاءت عبارة سعد زغلول الخالدة‮ "‬الحق فوق القوة‮" ‬معكوسة على‮ ‬غير قصد فكتبت هكذا‮ "‬القوة فوق الحق‮" ‬ولقد أثبتت نتائج انتخابات مجلس الشعب صدق المقولة المعكوسة،‮ ‬فقد‮ ‬غلبت القوة الغاشمة الحق واغتصبت مقاعد المجلس الجديد بالبلطجة والتزوير والعنف والاستقواء بالسلطة وأجهزتها،‮ ‬فضاع حق الشعب في‮ ‬حرية اختيار ممثليه،‮ ‬وأسقط الشرفاء من مرشحي‮ ‬الوفد وغيرهم من معارضي‮ ‬الحزب الوطني‮ ‬القابض على السلطة منذ أكثر من ثلاثين عاماً‮ ‬بدون حق‮!‬

 

وفي‮ ‬سياق كشف اعتماد الحزب الحاكم على القوة وسلطة الدولة أذكر أنه قبل أيام قليلة من‮ ‬يوم انتخابات مجلس الشعب شاركت في‮ ‬مناظرة تليفزيونية ممثلاً‮ ‬لحزب الوفد ضمن برنامج‮ "‬حوار الأحزاب‮" ‬والتي‮ ‬تم بثها في‮ ‬التليفزيون المصري،‮ ‬وكان ممثل الحزب الوطني‮ ‬في‮ ‬تلك المناظرة هو الدكتور‮ ‬يوسف بطرس‮ ‬غالي‮ ‬وزير المالية والذي‮ ‬كان‮ ‬يبدو واثقاً‮ ‬تماماً‮ ‬من فوز حزبه بأغلبية مقاعد مجلس الشعب،‮ ‬تلك الأغلبية التي‮ ‬وصفتها الإعلامية مني‮ ‬الشاذلي‮ ‬بأنها‮ "‬أغلبية مفرطة‮". ‬وفي‮ ‬معرض التأكيد على قدرات الحزب الحاكم وتمكنه من تحقيق برنامجه الذي‮ ‬أعلن عنه قبل أسبوع واحد فقط من‮ ‬يوم الانتخابات،‮ ‬قال الدكتور‮ ‬يوسف‮ "‬إن الانتخابات ستجري‮ ‬يوم الأحد،‮ ‬ويوم الاثنين سيبدأ الحزب الوطني‮ ‬تنفيذ برنامجه‮"! ‬وحين استعرض دكتور‮ ‬يوسف ملامح برنامج الحزب الحاكم منذ ثلاثين عاماً‮ ‬ركز على عدة أمور في‮ ‬مقدمتها أن حكومة الحزب سوف ترفع مليونا ونصف مليون أسرة من حالة الفقر خلال خمسة أعوام هي‮ ‬مدة مجلس الشعب الجديد،‮ ‬وكان‮ ‬يبدو واثقاً‮ ‬تماماً‮ ‬مما‮ ‬يقول حتى أنه قال‮ "‬نحن نعرف أين تلك الأسر ونعرف ما سوف نقدمه لها من خدمات‮". ‬فإذا قدرنا أن العمل في‮ ‬هذا المجال سيجري‮ ‬بمعدل محسوب ومخطط‮ - ‬شأن كل تصرفات الحكومة الذكية‮ - ‬فلنا أن نتوقع أن‮ ‬يتم رفع حوالي‮ ‬820‮ ‬أسرة‮ ‬يومياً‮ ‬من حالة الفقر وتحسين مستوى معيشتها،‮ ‬لذا أطالب دكتور‮ ‬يوسف أن‮ ‬ينشر بياناً‮ ‬عن الأسر التي‮ ‬تم انتشالها من الفقر منذ الاثنين‮ ‬29‮ ‬نوفمبر حتى اليوم أي‮ ‬ما‮ ‬يقرب من‮ ‬10660‮ ‬أسرة،‮ ‬نود أن نتعرف عليها وما تحقق لهم بحيث لم‮ ‬يعودوا فقراء،‮ ‬وما هي‮ ‬الخدمات التي‮ ‬تم تقديمها لهم من تعليم أفضل لأبنائهم ورعاية صحية أكمل وفرص عمل للمتعطلين منهم وغير ذلك مما أخرجهم من دائرة الفقر‮. ‬وفي‮ ‬تلك المناظرة سألت دكتور‮ ‬يوسف ما هو المستوى الذي‮ ‬سيتم رفع تلك الأسر إليه وهل‮ ‬يقصد رفعهم من مستوى خط الفقر الأدنى أي‮ ‬ما‮ ‬يعادل دولارا واحدا‮ ‬يومياً‮ ‬ليصبحوا عند خط الفقر الأعلى وهو ما‮ ‬يعادل دولارين‮ ‬يومياً،‮ ‬فلم أحصل منه على إجابة شافية حينذاك،‮ ‬وأتصور أنه اليوم قادر على تقديم تلك الإجابة‮!‬

كذلك تحدث الدكتور‮ ‬يوسف بطرس‮ ‬غالي‮ ‬منتقداً‮ ‬برامج الوفد وحزبي‮ ‬التجمع والناصري‮ ‬وهما الحزبان المعارضان اللذان شاركا مع الوفد في‮ ‬تلك المناظرة،‮ ‬وكان تركيزه على أن تلك البرامج تخلو من الأرقام وليس بها خطط عمل واضحة لما سيتم إنجازه كما هو الحال مع برنامج الحزب الوطني‮ ‬الديمقراطي‮. ‬والآن وقد حصل الحزب الوطني‮ ‬على أغلبية مفرطة وليست فقط مريحة كما كان‮ ‬يتمنى في‮ ‬انتخابات‮ ‬2005‮ ‬وقت أن كان القضاة‮ ‬يشرفون فعلاً‮ ‬على العملية الانتخابية،‮ ‬لذا أسأل دكتور‮ ‬يوسف أين هي‮ ‬تلك البرامج التفصيلية التي‮ ‬سوف تترجم التعهدات التي‮ ‬حفل بها برنامج حزبه الوطني‮ ‬ومنها التعهد بخفض البطالة وزيادة الدخول‮. ‬ولما كان من المفترض أن الحزب الوطني‮ ‬جاهز ببرامجه وتعلم حكومته تماماً‮ ‬ما ستفعله وهي‮ ‬في‮ ‬انتظار لحظة الانطلاق بمجرد إعلان نتائج الانتخابات،‮ ‬فنحن نسأل متى سيبدأ الدكتور‮ ‬غالي‮ ‬ـ ليس بمفرده طبعاً‮ ‬ولكن بصفته ممثلاً‮ ‬لحكومة الحزب ذي‮ ‬الأغلبية المفرطة ـ في‮ ‬عملية تحسين الدخول وخفض التضخم؟ ومتى ستبدأ حملة مضاعفة أجور العاملين بالجهاز الإداري‮ ‬للدولة؟ ومتى وكيف ستتم زيادة دخل الفلاح وزيادة إنتاجية الفدان ومساندة التصنيع الزراعي‮ ‬بهدف تلبية احتياجات السوق المحلي‮ ‬والتصدير؟ ونحن في‮ ‬انتظار الإعلان عن النظام الجديد لتوفير إعانة بطالة وتغطية تأمينية للعمالة الموسمية وغير المنتظمة والذي‮ ‬وعد به برنامج الحزب الحاكم ذو الأغلبية المفرطة؟

وأسأل الدكتور‮ ‬يوسف‮ ‬غالي‮ ‬وحكومة الحزب المسيطر على الحكم منذ أكثر من ثلاثين عاماً،‮ ‬والمستمر في‮ ‬سيطرته لسنوات قادمة لا‮ ‬يعلم عددها إلا الله سبحانه وتعالى،‮ ‬متى سيبدأ برنامج مضاعفة الصادرات من المنتجات الزراعية والصناعية لتصل إلى‮ ‬200‮ ‬مليار جنيه؟ وما هي‮ ‬تلك المنتجات التي‮ ‬سيتم تصديرها ولمن؟ كما تعهد برنامج الحزب ذو الأغلبية المفرطة أنه سيتم زيادة أعداد السائحين بنسبة‮ ‬50٪‮ ‬ليرتفع عددهم إلى‮ ‬22‮ ‬مليون سائح من دون أن‮ ‬يوضح لنا متى سيتم ذلك وكيف سيحقق الحزب وحكومته هذه الزيادة وهل كان في‮ ‬تقديرهم التطور الحادث في‮ ‬شرم الشيخ وهجوم اسماك القرش على السائحين وهو الحادث الذي‮ ‬حارت‮ ‬الحكومة الذكية للحزب ذي‮ ‬الأغلبية في‮ ‬التعامل معه وراحت تكرر تجربتها الرائدة في‮ ‬ذبح الخنازير مع أسماك القرش‮!‬

وأعود للتساؤل عن تلك الشركات الرائدة في‮ ‬قطاع الأعمال العام التي‮ ‬ذكر برنامج الحزب الوطني‮ ‬أنها سيتم تطويرها لزيادة قدراتها التنافسية وتعزيز مساهمتها في‮ ‬النشاط الاقتصادي‮ ‬وتوسيع قاعدة الملكية والتي‮ ‬لم‮ ‬يبق منها إلا‮ ‬68‮ ‬شركة كما أعلن ذلك وزير الاستثمار السابق،‮ ‬وهل من بينها شركة النصر للسيارات مثلاً‮ ‬أو هل ستعمل الحكومة الذكية على استعادة شركة عمر افندي‮ ‬على سبيل المثال أو شركات الغزل والنسيج التي‮ ‬تم بيعها بأثمان بخسة وتسريح العاملين فيها بنظام المعاش المبكر الذي‮ ‬أضاف عشرات الآلاف منهم إلى طائفة العاطلين؟ ثم‮ ‬يتحدث برنامج الحزب ذو الأغلبية المفرطة في‮ ‬عجالة سريعة عن‮ "‬توسيع قاعدة الملكية‮" ‬في‮ ‬تلك الشركات الرائدة،‮ ‬فهل‮ ‬يا ترى هي‮ ‬عودة إلى

مشروع صكوك الملكية الشعبية والذي‮ ‬عارضه الوفد ورفضته الجماهير؟‮ ‬

والحقيقة أن الحزب ذا الأغلبية المفرطة‮ ‬يكرر معنا ذات الأسلوب عقب فوزه بكل انتخابات مستخدماً‮ ‬فيها كل أدوات السلطة وإمكانيات أجهزة الدولة المدنية والأمنية،‮ ‬وفي‮ ‬غياب الإشراف القضائي‮ ‬وضعف أداء اللجنة العليا للانتخابات منزوعة الصلاحيات والقدرة على ضبط العملية الانتخابية‮. ‬فها هو الحزب الأوحد‮ ‬يتغافل عن حقيقة المآسي‮ ‬التي‮ ‬يعيشها الوطن ويكرر اسطوانته المشروخة عن أعياد الديمقراطية ونزاهة الانتخابات وأن الشعب هو الذي‮ ‬اختار،‮ ‬وأن الحزب الأوحد قد تعلم من دروس انتخابات‮ ‬2005‮ ‬فأعد نفسه بشكل علمي‮ ‬تمثل في‮ ‬طرح أكثر من مرشح لكل دائرة واستكتب المرشحين توكيلات بالتنازل عن الترشيح حتى‮ ‬يقطع الطريق على من لا تشملهم ترشيحاته من أن‮ ‬يترشحوا كمستقلين،‮ ‬وكذا ابتكاره الرائع بتقديم أوراق مرشحيه قبل‮ ‬غلق باب الترشيح بدقائق معدودة،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن كل الحيل والألاعيب التي‮ ‬استخدمت ضد مرشحي‮ ‬الوفد وغيره من الأحزاب والقوى السياسية‮. ‬وفي‮ ‬خضم هذه الترهات‮ ‬ينسى الناس الوعود التي‮ ‬انسابت أيام الانتخابات ويعودون مرة أخرى‮ ‬يلهثون وراء اسطوانة بوتاجاز أو‮ ‬يقضون ساعات طوالا في‮ ‬طوابير الخبز،‮ ‬كما‮ ‬ينغمسون في‮ ‬مشاكل التعليم المتردي‮ ‬والخدمات الصحية المنهارة وأزمات المرور وتفاقم كميات القمامة من حولهم في‮ ‬كل مكان،‮ ‬وانتشار العشوائيات وفقد الأمل في‮ ‬المستقبل‮.‬

واستميح الحزب ذا الأغلبية المفرطة وحكومته،‮ ‬سواء الحالية أو ما قد‮ ‬يطلع علينا به من تعديل أو تغيير وزاري،‮ ‬أن أسرد لهم طرفاً‮ ‬من الواقع المصري‮ ‬الأليم لعلهم‮ ‬يتذكرون في‮ ‬لحظات نشوتهم بالنصر المبين على الشعب المصري‮ ‬الأمين أن هناك شعباً‮ ‬يئن من الفقر والجوع والمرض والجهل،‮ ‬وأن هناك ملايين العقارات آيلة للسقوط،‮ ‬وأن مشكلة نقص موارد المياه وسوء استخداماتها آخذة في‮ ‬الزيادة،‮ ‬وأن موارد مصر من الطاقة آخذة في‮ ‬النضوب،‮ ‬وأن صبر المصريين سينفذ عما قريب‮!‬

وأنا أسرد لأصحاب الأغلبية المفرطة أمراض الوطن ومآسيه المتمثلة في‮ ‬اغتيال الديمقراطية وتقييد حرية المشاركة في‮ ‬العمل السياسي،‮ ‬واستمرارالقوانين المقيدة للحريات وتعويق الأحـزاب والقوى السياسية‮. ‬فضلاً‮ ‬عن القيود المفروضة على التنظيمات النقابيـة واستمرار حالة الطوارئ لمدة وصلت إلى ثلاثين عاماً‮ ‬والسيطرة الحكومية على الإعـلام الرسمي‮ ‬والمضايقات والقيود على الإعلام المستقل والخاص‮. ‬

وفي‮ ‬المجال الاقتصادي‮ ‬الذي‮ ‬تفخر حكومة الحزب الحاكم بأنها حققت فيه أفضل إنجازاتها لم‮ ‬يشعر المواطنون بعوائدها التي‮ ‬انحصرت في‮ ‬فئة رجال الأعمال والمحتكرين والقريبين من أهل الحكم والمتعاملين مع إسرائيل والمستفيدين من اتفاقية الكويز‮!‬

إن المصريين في‮ ‬فترات حكم الحزب الوطني‮ ‬يعانون من‮ ‬غياب رؤية واضحة لدور الدولة في‮ ‬تحقيق العدالة الاجتماعية،‮ ‬ومن تداخل رجال الأعمال في‮ ‬مجالات العمل السياسي‮ ‬وتصاعد مشكلات تضارب المصالح وعدم وضوح معايير توزيع الأدوار وضبط العلاقات بين القطاعين العام والخاص،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن تراجع الطاقات الإنتاجية القومية في‮ ‬الصناعة والزراعة والآثار السالبة لبرنامج الخصخصة وتراجع تنافسية الاقتصاد الوطني‮ ‬وتزايد الاعتماد على المعونات والمنح الخارجية‮.‬

هذا قليل من كثير كان المتوقع أن‮ ‬يثيره تحت قبة البرلمان نواب الوفد وممثلو المعارضة حال أجريت الانتخابات تحت إشراف قضائي‮ ‬كامل ورقابة من منظمات المجتمع المدني‮ ‬ووسائل الإعلام الوطنية ومن دون تزوير ولا تسويد بطاقات التصويت ولا تغيير في‮ ‬الصناديق،‮ ‬وبالطبع من دون بلطجة وعنف أو تدخلات من جهات لا‮ ‬ينبغي‮ ‬لها التدخل أصلاً‮ ‬في‮ ‬العملية الانتخابية إلا تحت إشراف اللجنة العليا للانتخابات‮!‬

لذا ستكون حكومة الظل الوفدية هي‮ ‬الرقيب،‮ ‬بالتكامل مع مؤسسات الحزب وتشكيلاته في‮ ‬جميع المحافظات،‮ ‬تراقب أداء حكومة الحزب ذي‮ ‬الأغلبية المفرطة وترصد مخالفاتها وتبين نكوصها عن تنفيذ تعهدات حزبها وتطرح للمصريين البدائل الأفضل التي‮ ‬تراعي‮ ‬مصالحه وتؤمن حقوقه وتقوده إلى مستقبل أفضل بالفعل وليس بمجرد القول‮.‬

ودعونا نتعاهد على أن‮ ‬يكون الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة فعلاً‮ ‬وعملاً‮ ‬رغماً‮ ‬عن الحزب الوطني‮ ‬وأغلبيته المفرطة والزائفة‮.‬

*رئيس حكومة الظل الوفدية