بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

حمارة خالتى والعدل الدولية ‏

هذه حادثة حقيقية حدثت فى لبنان أوائل الستينيات الميلادية من القرن الماضى، وبطلتها ‏‏(حمارة خالتي)–وهى باختصار: أن تلك الحمارة، انطلقت من بلدة (كفر كلا) وعبرت ‏الحدود ودخلت إلى إسرائيل، وعجزت خالتى وزوجها عن اللحاق بها، ورجعا خوفًا من ‏الرصاص الإسرائيلىý.ý

بعد عامٍ على اختفاء الحمارة، تفاجأت خالتى بعودة حمارتها إلى البيت، وهى تجر ‏وراءها عربة محملة بالدراق والإجاص، وكان يتبعها عدد من أطفال القرية مهللين ‏فرحينý.ý

ولم تكتمل الفرحة، حيث جاء الدرك اللبنانى مع قوات الطوارئ الدولية، مطالبين بتسليم ‏الحمارة إلى (إسرائيل)، فالحمارة حبلى بجحش، أبوه حمار إسرائيلى، وبعد اعتراض ‏ورفض، ارتفع منسوب الغضب عند أهل القرية، وراحوا يصرخون بصوت جماعى، ‏الحمارة حمارتنا، وبعد ساعات من المفاوضات مع جيش الاحتلال الإسرائيلى، وبوساطة ‏دولية، اتفق الجميع على أن تعود الحمارة لتلد هناك، شرط أن تعيد الأمم المتحدة الحمارة ‏بمفردها بعد الميلادý.ý

بعد ثلاثة أشهر، هربت الحمارة من (إسرائيل) مرة ثانية إلى القرية وهى تجر خلفها ‏العربة المحملة بالفواكه، ويركض بجوارها هذه المرة مولودها الجحش الصغير، ولم ‏تمضِ ساعة، حتى حضرت إلى منزل خالتى قوات الدرك والأمم المتحدة، وطالبوا خالتى ‏بتطبيق بنود الاتفاقية الموقعة، وتسليم الجحش، وكانت المفاجأة أن رفض الجحش أن ‏يترك أمهý.ý

وفى ضوء تهرب الجحش، تم استدعاء قوات درك إضافية، وتم تطويق المكان، وإلقاء ‏القبض على الجحش، وربطه، وتحميله فى شاحنة عسكرية إلى مركز المراقبة فى ‏الناقورة، ومن هناك، عاد الجحش الصغير مأسورًا، مكسور القلبý.ý

حمارة خالتى تكشف حقيقة المفاوض الإسرائيلى، أنه صلبٌ وعنيدٌ وطويل البال إلى الحد ‏الذى رفض أن يفرط حتى بجحش أبوه حمار إسرائيلى، وأمه حمارة لبنانية، فكيف ‏سيتنازل هذا المفاوض الإسرائيلى للمفاوض الفلسطينى عن القدس وعن الضفة الغربية ‏وعن سماء فلسطين وعن المسجد الأقصى، الذى يزعم أنه مكان الهيكل وعن كنيسة ‏القيامة؟

كيف سيتخلى هذا المفاوض الإسرائيلى الذى لم يفرط بجحشٍ صغيرٍ، عن 60 فى المائة ‏من أرض الضفة الغربية؟

ملحوظة مهمة: هذه القصة حقيقية، وهى موثقة فى سجلات الأمم المتحدة العاملة فى ‏جنوب لبنان سنة 1962. عمومًا لو كان لى من الأمر شيء، لمنحت حمارة الخالة وسام ‏الاستحقاق على وطنتيها، ذكرت تلك القصة بمناسبة حكم محكمة العدل الدولية الذى جاء ‏مطاطا مخيبا للآمال لأنه لم يتضمن وقفا لإطلاق النار، بل طالبت إسرائيل بعدم ارتكاب ‏جيشها للإبادة الجماعية مع دخول المساعدات إلى قطاع غزة، وفعلًا كما قالت خالتى « ‏إللى اختشوا ماتوا واللى ميشوفش من الغربال أعمى»، على مدار 76 عاما يقوم الجيش ‏الإسرائيلى بقتل الحجر والبشر والآن تصدر محكمة العدل الدولية قرارها بنصيحة ‏إسرائيل ألا يرتكب جيشها إبادة جماعية وكأن الذى حدث من قبل ويحدث الآن هو ‏توزيع ورد وشوكولاته على الأطفال والنساء فى غزة والأراضى الفلسطينية.‏