بدون رتوش
الدور الفرنسى وأفريقيا
لعل التساؤل الذى يفرض نفسه على الساحة اليوم يتمحور حول الدور الذى تلعبه فرنسا فى الاضطرابات التى تشهدها دول غرب أفريقيا. ولقد أصبحت «النيجر» آخر دولة فى غرب أفريقيا يستولى فيها الجيش على السلطة بعد «بوركينا فاسو»، و«غينيا»، و«مالي»، و«تشاد»، وكلها مستعمرات فرنسية سابقة. وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة 78% من الانقلابات التى حصلت فى أفريقيا جنوب الصحراء منذ التسعينيات وعددها 27 انقلابًا حصلت فى دول فرنكوفونية، وهذا ما يجعلنا نتساءل عما إذا كانت فرنسا بإرثها الاستعمارى تتحمل مسئولية هذا الأمر؟
لقد أراد الضالعون فى هذه الانقلابات إقناعنا بذلك، ولهذا عمد العقيد «عبدالله مايغا» ــ الذى عينته السلطة العسكرية رئيسًا للوزراء فى 2022 ــ إلى توجيه انتقادات قاسية لفرنسا، إذ وصف سياستها تجاه بلاده بأنها استعمارية ومتعالية وانتقامية، وأنها تخلت عن القيم الأخلاقية الكونية وطعنت «مالى» فى الظهر. وتنامى العداء لفرنسا أيضًا فى «بوركينا فاسو» إذ أنهت السلطة العسكرية هناك فى فبراير الماضى اتفاقا قديما كان يسمح للقوات الفرنسية بالعمل فى البلاد، وبادرت فأمهلت فرنسا شهرًا كى تبادر بإجلاء قواتها. وفى «النيجر» التى تجاور البلدين زعم الانقلابيون أن الرئيس «محمد بازوم» أصبح دمية تخدم مصالح فرنسا؛ ولهذا تمت تنحيته، كما ألغت السلطات العسكرية بقيادة العميد «عبدالرحمن تيانى» خمس اتفاقيات عسكرية مع فرنسا. كما تعرضت سفارة فرنسا فى النيجر لهجمات من متظاهرين داعمين للانقلابيين.
وتؤكد البيانات التاريخية مشروعية المظالم التى يرفعها أفارقة ضد باريس، فالنظام الاستعمارى الفرنسى هو الذى عمد إلى استخراج الموارد والتنمية من البلدان الأفريقية، وتبنى استراتيجية قمعية للسيطرة عليها، وبذلك نحت فرنسا منحى بريطانيا كدولة احتلال. بل إن منتقدى فرنسا يتهمونها بالتدخل فى اقتصاديات وسياسات مستعمراتها السابقة. إذ لا تزال سبع دول فى غرب أفريقيا من أصل تسع تستعمل الفرنك الأفريقى المرتبط باليورو بضمان فرنسى، وهو دليل على التأثير الاقتصادى الفرنسى فى المستعمرات السابقة. كما أن فرنسا صاغت لنفسها أيضًا اتفاقيات عسكرية مع الدول الأفريقية والتى استغلتها للتدخل عسكريًا فى هذه الدول من أجل الإبقاء على القادة المغضوب عليهم شعبيًا فى الحكم. وفى الكثير من الحالات عززت سياسات فرنسا فى الكثير من الحالات سلطة القادة الفاسدين والقمعيين على غرار رئيس تشاد السابق «إدريس ديبى»، ورئيس «بوركينا فاسو» السابق، وهو ما وضع المعوقات فى طريق الصراع من أجل الديمقراطية. وعلى الرغم من أن فرنسا لم تتدخل عسكريًا لإعادة هؤلاء القادة إلى الحكم، إلا أنهم جميعًا يدينون لها بالولاء.