النظام الانتخابى.. ما الأفضل؟
النظام الانتخابى ليس مجرد تشريع أو قوانين ولوائح أو نصوص فى الدستور، النظام الانتخابى يستلزم توافر مجموعة من العوامل البيئية التى تساعد على نجاحه لعل أهمها: وجود عقد سياسى بين السلطة والطبقة السياسية والناخبين على احترام إرادة الناخبين والاحتكام بأمانة إلى صندوق الاقتراع. وهو ما تم بعد إقرار دستور 2014، واستقرار الركائز الدستورية والتشريعية للدولة المصرية، ثم تجدد مع الاستجابة لدعوة الحوار الوطنى بمد الإشراف القضائى الكامل على جميع الانتخابات القادمة. ثانى تلك العوامل يتمثل فى وجود مجتمع أهلى ومدنى تعترف به السلطة الحاكمة وتمنحها فرصة الحياة والتطور والقيام بدور مستقل فى الحياة السياسية، وأهم هذه القوى: الأحزاب السياسية –النقابات المهنية – النقابات العمالية – تجمعات المزارعين – تجمعات القائمين على الصناعة- جمعيات مدنية مستقلة – جامعات- مصانع- شركات. وهذا أيضًا محقق بالفعل، فالدعوة للحوار الوطنى جاءت جامعة وشاملة لكافة أطياف وفئات وقوى المجتمع المصري؛ سياسياً، اقتصادياً، ومجتمعياً، ومن ثم جاءت محاور الحوار وأجندة القضايا محل الحوار جامعة وشاملة.
بالنسبة لقضية النظام الانتخابي؛ على مستوى العلم النظرى لا يوجد نظام انتخابى جيد ونظام انتخابى غير جيد، كل نظام يحمل إيجابيات وسلبيات أيضاً، العبرة هنا تكون فى توافر المناخ الملائم متمثلاً فى التوافق والثقة السياسية المتبادلة بين مختلف القوى والقوى المدنية المنظمة للاقتراع، فإن أى نظام انتخابى، حتى لو كان النظام الألمانى القائم على أساس تحقيق عدالة حسابية إلى أقصى حد ممكن لتمثيل القوى السياسية، لن ينجح.
على سبيل المثال؛ نظام القائمة النسبية يعمل على تفادى أخطر آفتين عانت منهما الانتخابات التشريعية المصرية منذ زمن طويل وهما سلاح المال السياسى والعصبية العائلية. وهما آفتان ترعرعتا بشدة فى ظل نظام الانتخاب الفردى بينما تضاءل تأثيرهما لحد بعيد فى ظل الانتخاب بالقائمة النسبية، ففى النظام الفردى يدور التنافس الحقيقى حول (شخص) المرشح ومن الطبيعى أن تكون وسائله فى التأثير على الناخبين شخصية مثل استخدام المال أو استنفار الانتماء العائلى أو القبلى، أما فى ظل نظام القائمة النسبية فإن محور التنافس الانتخابى يصبح هو البرامج والأفكار التى يطرحها كل حزب بأكثر من شخص المرشح نفسه المنتمى للحزب.
لكنه فى المقابل يعاب عليه حرمان الأشخاص المستقلين غير المنتمين للأحزاب السياسية من حق الترشح لعضوية المجالس النيابية. وهو ما كان يبدو مخالفاً لبعض النصوص الدستورية التى تكفل حق المساواة بين المواطنين جميعاً فى الحقوق والواجبات العامة والحق فى تكافؤ الفرص، وهو ما كان سببًا فى الحكم بعدم دستورية نظام الانتخاب بالقائمة النسبية. كما أنه ينطوى على صعوبة فى التصويت والفرز وحساب الأصوات.
فى المقابل فإن نظام القائمة المغلقة يحقق مزيدًا من التمييز والتمثيل الإيجابى لعديد الفئات مثل المرأة، وذوى الاحتياجات الخاصة، والشباب، كما أنها تعطى مزيدًا من القوة للأحزاب السياسية، لكن فى المقابل يعاب عليها إهدار أصوات الناخبين بنسبة تقترب من 50٪ نتيجة ارتفاع نسب الأصوات الباطلة، وكذلك انخفاض معدلات المشاركة السياسية فى تلك الانتخابات.
بشكل عام، مصر على مدار تاريخها من 1866، عرفت جميع أشكال النظم الانتخابية سواء نظام الفردى بالأغلبية المطلقة، ثم نظام الانتخاب بالقائمة المطلقة بالنسبة لمجلس الشورى، ثم نظام الانتخاب بالقائمة مع التمثيل النسبى، ثم نظام الانتخاب الذى يجمع بين نظام الانتخاب الفردى والقائمة النسبية، ثم العودة إلى نظام الانتخاب الفردى بالأغلبية المطلقة. وأخيرًا العودة لنظام المختلط الذى يجمع بين القوائم المغلقة والفردى. وبالتالى نحن نمتلك تاريخًا وخبرات عديدة ومتراكمة فى هذا السياق.
يقترب قطار الجلسات العلنية للحوار الوطنى من محطته الأخيرة؛ منذ جلسته الافتتاحية عقد الحوار الوطنى أكثر من 50 جلسة فى محاوره الثلاثة؛ الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وطرح الكثير من التوصيات، الآن يصل الحوار إلى محطة الجلسات التخصصية المغلقة من خلال 15: 20 خبيرًا فى كل لجنة؛ لمناقشة تلك الموضوعات وإخراجها بشكل توصيات نهائية، تخرج إلى مجلس أمناء الحوار الوطنى لرفعها لرئاسة الجمهورية. وكما كان متوقعاً المناقشات جاءت ساخنة ومثمرة فى قضايا كل المحاور. وعلى ثقة أن الحوار سيخرج لنا بتوصيات حول النظام الأفضل والأمثل الذى يعمل على إثراء واستقرار الحياة السياسية المصرية، وتقويتها وضمان فاعليتها. فالحوار بهدف التطوير والتحديث والتقدم للأمام وهو المأمول والمنتظر الخروج بتوصيات تعيد الفاعلية والحيوية للحياة السياسية المصرية، توسع من قاعدتى التمثيل والمشاركة لكافة قوى وأطياف المجتمع ما عدا هؤلاء الذين تلوثت أيديهم بدماء المصريين، ويرفضون شرعية دولة 30 يونيو التى اجتمع عليها عموم الشعب المصرى. ولدينا أساس قوى يضمن ذلك ممثل فى دستور 2014 الذى أقر وضمن حماية تمثيل كافة الفئات فى المجالس النيابية والتشريعية.