بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

تفاصيل دعوة الإفتاء للصلاة والسلام على النبي بعد صلاة الجمعة

دار الافتاء
دار الافتاء

 قالت دار الإفتاء المصرية، إن الصلاة والسلام على سيدنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ من أقرب القربات، وأفضل الذكر الطاعات؛ فقد فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، [الأحزاب: 56]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» أخرجه مسلم.

حث الشرع على الاجتماع للذكر والأدلة على ذلك:

 أضافت دار الإفتاء، أن المقرر شرعًا أنَّ ذِكر الله تعالى والصلاة والسلام على نبيِّه صلى الله عليه وآله وسلم، من العبادات التي ورد الأمر بها مطلقًا من دون تقييد؛ فتصح على كل هيئة، وفي كل حال؛ فتجوز سرًّا وجهرًا فرادى وجماعات بكل لفظ وصيغة توافق الشرع، والاجتماع على الذكر هو اجتماع على الخير وفعل البر؛ فهو من المشاركة والمعاونة على البر والتقوى؛ يقول الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].

أوضحت الدار، أنه جاءت الأدلة من القرآن الكريم والسُّنة المطهرة متضافرة في الحثِّ على مجالس الذكر؛ قال تعالى مخاطبًا نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾، [الكهف: 28].

وفي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي ملأٍ ذَكَرْتُهُ فِي ملأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ»، وورد في الحديث عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري، رضي الله عنهما، أنهما شهدا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: «لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» رواه مسلم.

الإفتاء ترد على الأثر الذي يُفيد النهي عن الجهر ورفع الصوت بالذِّكر

دار الإفتاء المصرية

 وقد يحتجُّ بعض الناس على عدم مشروعية الذِّكر الجماعي بما ورد عن عبدالله بن مسعود، رضي الله عنه، ممَّا قد يُفيد النهي عن رفع الصوت بالذِّكر، ويُردّ على ذلك بأمرين:

الأول: أنه قد ذكر غير واحد من الحُفَّاظ والشُّراح أنَّ هذا الأثر مما لا يصح عن عبدالله بن مسعود، رضي الله عنه، وأنه قد روي من فعله رضي الله عنه ما يخالف ذلك القول.

والثاني: أن هذا الأثر يخالف إجماع العلماء سلفًا وخلفًا، ومن المقرر أنَّ الإجماع حجة ومصدر من مصادر التشريع، بخلاف قول الصحابي.

أقوال الفقهاء في استحسان الذكر الجماعي بعد الصلاة:

في استحسان الذكر الجماعي وعموم نفعه وأثره تواردت نصوص الفقهاء:

قال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار": [وقد شبَّه الإمام الغزالي ذِكر الإنسان وحده وذكر الجماعة بأذان المنفرد، وأذان الجماعة؛ قال: فكما أن أصوات المؤذنين جماعة تقطع جرم الهواء أكثر من صوت المؤذن الواحد، كذلك ذكر الجماعة على قلب واحد أكثر تأثيرًا في رفع الحجب الكثيفة من ذكر شخص واحد].

وإيقاع تلك العبادة جهرًا بعد أي صلاة مكتوبة - فضلًا عن كونها صلاة جمعة- أمر مشروع ولا حرج فيه؛ فقد توارت النصوص في استحسان الذِّكر عقب الصلاة مطلقًا في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا ٱللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ [النساء: 103]، والْمُطْلَق يُؤْخَذُ على إطلاقه حتى يأتي ما يُقَيِّده في الشرع.

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» أخرجه ابن ماجة في "سننه".

الرد على من يدعي أن الاجتماع للصلاة والسلام على سيدنا النبي يوم الجمعة بدعة:

 ما قد يدَّعيه البعض من إشكالية تخصيص أوقات معينة للعبادات، ويُعدُّ ذلك من أبواب البدع، فهذا وهم وغلط في الفهم؛ فقد نصَّ أهل العلم على مشروعية تخصيص زمان معين أو مكان معين بالأعمال الصالحة.

ولا حجة عقلية ولا شرعية لمن ينهى عن تخصيص المسلمين لوقت من الأوقات لذكر الله تعالى وعبادته، وهم مع ذلك لا ينهون ولا يعترضون عن تخصيص بعض الأوقات لغير ذلك من الأفعال الدينية، أو غير ذلك.

 والذي يتضح من خلال ما سبق: أن من يتَّهم المسلمين في فعلهم ذلك بالبدعة، هو للبدعة أقرب وأولى؛ لأنه تحجَّر واسعًا وضيَّق على المسلمين أمرًا جعل الشرع لهم فيه سَعةً؛ حيث إن الإسلام حثَّ حثًّا مطلقًا على الذكر، والأمر المطلق يقتضي عموم الزمان والمكان والأشخاص والأحوال كما بينَّا، ومنع المداومة على الخير ضرب من ضروب الجهل والصد عن العمل الصالح، والناهي عن ذلك قد سنَّ سُنة سيئة في المنع من فعل الخير وتنظيمه والمداومة عليه، مخالفًا بذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من أن عمله كان ديمة، ومن أن أحب الأعمال إلى الله أدومها كما ثبت في "الصحيحين" وغيرهما، ولم يلتفت في نهيه هذا إلى عواقب ما يقوله ويزعمه مِن صرف المسلمين عن ذكر ربهم والصلاة على نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم في عصرٍ الناسُ أحوج ما يكونون فيه إلى اتِّباع سُنة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ويُخشَى على هؤلاء الذين يهرفون بما لا يعرفون، ويتكلمون فيما لا يعلمون، أن يدخلوا بنهيهم هذا في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ﴾ [البقرة: 114].

الخلاصة..

بناءً على ذلك أوضحت دار الإفتاء، أن الدعوة للاجتماع للصلاةِ والسلام على سيدنا النبيِّ يوم الجمعة بعد الصلاة من الأمور الحسنة التي يحسُن فعلها، والحرص عليها؛ لنيل ما فيها من ثواب عظيم؛ إذ هي تطبيق عملي لعدد من الأوامر الشرعية المتمثلة في الأمر بذكر الله تعالى، والأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والأمر بالاجتماع على فعل الخير وعمل البر بشتى الصور وعلى كل الأحوال.