بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

‮«‬الوفد‮» ‬‭ ‬فى‭ ‬قرية‭ ‬‮«‬بطرة‮»‬ ‬مسقط‭ ‬رأس‭ ‬الإمام‭ ‬الـ‮٤٢‬‭ ‬ للأزهر

الشيخ‭ ‬‮«‬جاد‭ ‬الحق‮» .. ‬الفقيه‭ ‬الزاهد

بوابة الوفد الإلكترونية

عاش‭ ‬ومات‭ ‬فى ‬شقة‭ ‬بسيطة‭.. ‬ وكان‭ ‬يصعد‭ ‬على‭ ‬قدميه‭ ‬للدور‭ ‬الخامس
عارض‭ ‬إطلاق‭ ‬اسمه‭ ‬على‭ ‬المعهد‭ ‬الدينى‭ ‬الذى‭ ‬تم‭ ‬بناؤه‭ ‬فى‭ ‬قريته
نجل‭ ‬الإمام‭ : ‬كان‭ ‬وحيد‭ ‬والديه‭ ‬على‭ ‬‮٩‬‭ ‬شقيقات‭ .. ‬وكرّمه‭ ‬‮ «الملك‭ ‬فاروق‮» ‬‭ ‬ضمن‭ ‬الخمسة‭ ‬الأوائل

حينما‭ ‬رحل‭ ‬عن‭ ‬دنيانا‭ ‬نعاه‭ ‬إمام‭ ‬الدعاة‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬متولى‭ ‬الشعراوى‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬تعلمنا‭ ‬منه‭ ‬ألا‭ ‬نعصرن‭ ‬الدين‭ ‬بل‭ ‬نديِّن‭ ‬العصر،‭ ‬فعصرنة‭ ‬الدين‭ ‬تعنى‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬كامل،‭ ‬حاشا‭ ‬لله‮»‬‭.. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬قطب‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬أقطاب‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامى،‭ ‬وهو‭ ‬الإمام‭ ‬الأكبر‭ ‬جاد‭ ‬الحق‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر‭ ‬الثانى‭ ‬والأربعين‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬المشيخة،‭ ‬الذى‭ ‬أثرى‭ ‬الساحة‭ ‬الفكرية‭ ‬بفكره‭ ‬المستنير‭ ‬واتجاهه‭ ‬العلمى‭ ‬الغزير،‭ ‬وقدم‭ ‬للمسلمين‭ ‬نموذجًا‭ ‬للخلق‭ ‬الإسلامى‭ ‬الرفيع،‭ ‬وسلك‭ ‬طريق‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬بالحكمة‭ ‬والموعظة‭ ‬الحسنة،‭ ‬كما‭ ‬تصدى‭ ‬للباطل‭ ‬ودافع‭ ‬عن‭ ‬الحق،‭ ‬فكانت‭ ‬حياته‭ ‬خالصة‭ ‬لوجه‭ ‬الله،‭ ‬حافلة‭ ‬بالمآثر،‭ ‬لم‭ ‬تشغله‭ ‬الدنيا‭ ‬عن‭ ‬الآخرة،‭ ‬فكرس‭ ‬حياته‭ ‬للعلم‭ ‬النافع،‭ ‬ليبقى‭ ‬علمه‭ ‬وتراثه‭ ‬وإرشاداته‭ ‬ونصائحه‭ ‬وتوجيهاته‭.‬
فى‭ ‬قرية‭ ‬‮«‬بطرة‮»‬‭ ‬إحدى‭ ‬القرى‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬المنصورة‭ ‬وتحديدًا‭ ‬بمركز‭ ‬طلخا‭ ‬فى‭ ‬محافظة‭ ‬الدقهلية‭ ‬قضت‭ ‬‮«‬الوفد‮»‬‭ ‬ساعات‭ ‬فى‭ ‬رحاب‭ ‬تلك‭ ‬القرية‭ ‬التى‭ ‬شهدت‭ ‬مولد‭ ‬الإمام‭ ‬جاد‭ ‬الحق‭ ‬على‭ ‬جاد‭ ‬الحق‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر‭ ‬الأسبق‭ ‬فى‭ ‬ذكراه‭ ‬السابعة‭ ‬والعشرين،‭ ‬والتى‭ ‬انطلق‭ ‬منها‭ ‬ليكون‭ ‬شيخ‭ ‬الإسلام‭ ‬وإمام‭ ‬أهل‭ ‬السنة‭ ‬فى‭ ‬العالم،‭ ‬حيث‭ ‬جلس‭ ‬على‭ ‬كرسى‭ ‬المشيخة‭ ‬بالأزهر‭ ‬الشريف‭ ‬من‭ ‬عام‭ (‬1982-1996‭) ‬فاستطاع‭ ‬بمنصبه‭ ‬الرفيع‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬لمصر‭ ‬والعالم‭ ‬الإسلامى‭ ‬نموذجًا‭ ‬فريدًا‭ ‬للوطنية‭ ‬ليسجل‭ ‬للأزهر‭ ‬الشريف‭ ‬صفحات‭ ‬مشرقة‭ ‬ومواقف‭ ‬فذة‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سيطرحه‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭ ‬نجله‭ ‬ومحبيه‭.‬

مدحت نجل الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق خلال حواره مع الوفد


فى‭ ‬البداية‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬مدحت‮»‬‭ ‬نجل‭ ‬فضيلة‭ ‬الإمام‭ ‬الأكبر‭ ‬الشيخ‭ ‬جاد‭ ‬الحق‭ ‬على‭ ‬جاد‭ ‬الحق‭: ‬ولد‭ ‬أبى‭ ‬فى‭ ‬5‭ ‬أبريل‭ ‬1917،‭ ‬ونشأ‭ ‬فى‭ ‬أسرة‭ ‬متدينة،‭ ‬فكان‭ ‬أبوه‭ ‬رجلا‭ ‬من‭ ‬الصالحين‭ ‬اشتهر‭ ‬بالأمانة،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬أهل‭ ‬القرية‭ ‬كانوا‭ ‬يطلقون‭ ‬عليه‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬أمين‭ ‬البلد‮»‬‭ ‬وكانوا‭ ‬يحفظون‭ ‬مقتنياتهم‭ ‬الثمينة‭ ‬عنده‭ ‬خوفًا‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬الضياع،‭ ‬وقد‭ ‬أثرت‭ ‬هذه‭ ‬البيئة‭ ‬الصالحة‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الشيخ،‭ ‬وحرصت‭ ‬أسرته‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ترسله‭ ‬لكتاب‭ ‬القرية‭ ‬لحفظ‭ ‬القرآن‭ ‬وتعلم‭ ‬مبادئ‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة،‭ ‬خاصة‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬الولد‭ ‬الوحيد‭ ‬على‭ ‬تسع‭ ‬بنات،‭ ‬فأرسله‭ ‬والده‭ ‬لكتاب‭ ‬الشيخ‭ ‬سيد‭ ‬البهنساوى،‭ ‬وبعد‭ ‬تفوقه‭ ‬قرر‭ ‬والده‭ ‬أن‭ ‬يلحقه‭ ‬بالأزهر‭ ‬الشريف‭ ‬ليكمل‭ ‬تعليمه،‭ ‬ثم‭ ‬التحق‭ ‬بالتعليم‭ ‬الإعدادى‭ ‬بالمعهد‭ ‬الأزهرى‭ ‬الأحمدى‭ ‬بمدينة‭ ‬طنطا‭ ‬عام‭ ‬1930‭ ‬وحصل‭ ‬على‭ ‬الابتدائية‭ ‬الأزهرية‭ ‬عام‭ ‬1934‭ ‬والثانوية‭ ‬الأزهرية‭ ‬1939‭ ‬ثم‭ ‬التحق‭ ‬بكلية‭ ‬الشريعة‭ ‬والقانون‭ ‬بجامعة‭ ‬الأزهر‭ ‬وحصل‭ ‬على‭ ‬الشهادة‭ ‬العالمية‭ ‬1934‭ ‬وكان‭ ‬ضمن‭ ‬الخمسة‭ ‬الأوائل‭ ‬الذين‭ ‬كرمهم‭ ‬الملك‭ ‬فاروق‭ ‬الأول‭ ‬وحصل‭ ‬على‭ ‬وشاح‭ ‬الدولة‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬أيام‭ ‬فضيلة‭ ‬الإمام‭ ‬الأكبر‭ ‬مصطفى‭ ‬المراغى‭ ‬شيخ‭ ‬الجامع‭ ‬الأزهر،‭ ‬ثم‭ ‬الإجازة‭ ‬فى‭ ‬القضاء‭ ‬الشرعى‭ ‬عام‭ ‬1954،‭ ‬وقد‭ ‬عين‭ ‬والدى‭ ‬فور‭ ‬تخرجه‭ ‬موظفًا‭ ‬قضائيًا‭ ‬بالمحاكم‭ ‬الشرعية‭ ‬1964‭ ‬ثم‭ ‬أمينا‭ ‬للفتوى‭ ‬بدار‭ ‬الإفتاء‭ ‬1953‭ ‬فقاضيا‭ ‬بالمحاكم‭ ‬الشرعية‭ ‬1954‭ ‬وفى‭ ‬عام‭ ‬1956‭ ‬عين‭ ‬قاضيًا‭ ‬بالمحاكم‭ ‬بعد‭ ‬إلغاء‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭ ‬للمحاكم‭ ‬الشرعية‭ ‬ثم‭ ‬رئيسًا‭ ‬للمحكمة‭ ‬عام‭ ‬1971‭ ‬وفى‭ ‬أغسطس‭ ‬1978‭ ‬عين‭ ‬مفتيًا‭ ‬للديار‭ ‬المصرية‭ ‬ثم‭ ‬اختير‭ ‬عضوًا‭ ‬بمجمع‭ ‬البحوث‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وفى‭ ‬يناير‭ ‬1982‭ ‬عين‭ ‬وزيرًا‭ ‬للأوقاف‭ ‬المصرية،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬حسنى‭ ‬مبارك‭ ‬قد‭ ‬تولى‭ ‬الحكم‭ ‬بعد‭ ‬اغتيال‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭ ‬وكانت‭ ‬أول‭ ‬وزارة‭ ‬تشكل‭ ‬برئاسة‭ ‬فؤاد‭ ‬محيى‭ ‬الدين‭ ‬فأصر‭ ‬أن‭ ‬يتولى‭ ‬الشيخ‭ ‬جاد‭ ‬الحق‭ ‬وزارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬فوافق‭ ‬على‭ ‬مضض،‭ ‬وقدم‭ ‬إنجازات‭ ‬طيبة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الثلاثة‭ ‬الأولى،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬تولى‭ ‬مشيخة‭ ‬الأزهر‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬بيصار‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر‭ ‬الأسبق‭ ‬ليصبح‭ ‬الإمام‭ ‬الثانى‭ ‬والأربعين‭ ‬للأزهر‭ ‬الشريف‭ ‬فى‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬نفسه‭ ‬واستمر‭ ‬من‭ ‬مارس‭ ‬1982‭ ‬حتى‭ ‬مارس‭ ‬1996‭ ‬وهى‭ ‬أطول‭ ‬فترة‭ ‬قضاها‭ ‬شيخ‭ ‬أزهر،‭ ‬ومن‭ ‬بعده‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬سيد‭ ‬طنطاوى‭ ‬الذى‭ ‬أمضى‭ ‬نفس‭ ‬الفترة‭ ‬فى‭ ‬المشيخة،‭ ‬وفى‭ ‬سبتمبر‭ ‬عام‭ ‬1988‭ ‬تم‭ ‬اختياره‭ ‬رئيسًا‭ ‬للمجلس‭ ‬الإسلامى‭ ‬العالمى‭ ‬للدعوة‭ ‬والإغاثة‭.‬

الإمام الأكبر جاد الحق مع إمام الدعاة محمد متولي الشعراوي


 

.. ومع زعيم حزب الوفد فؤاد باشا سراج الدين

زهد‭ ‬وتواضع
●‭ ‬من‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬فضيلة‭ ‬الإمام‭ ‬الأكبر‭ ‬الشيخ‭ ‬جاد‭ ‬الحق‭ ‬رفض‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬شقته‭ ‬بعد‭ ‬تولى‭ ‬المشيخة‭ ‬فما‭ ‬السر‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬عرضت‭ ‬عليه‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬آخر؟
‭- ‬والدى‭ ‬كان‭ ‬زاهدًا‭ ‬فى‭ ‬الحياة،‭ ‬يعيش‭ ‬فى‭ ‬شقته‭ ‬البسيطة‭ ‬بحى‭ ‬المنيل‭ ‬التى‭ ‬تربينا‭ ‬فيها‭ ‬وظللنا‭ ‬بها‭ ‬منذ‭ ‬الخمسينيات،‭ ‬وكانت‭ ‬العمارة‭ ‬بلا‭ ‬مصعد‭ ‬كهربائى،‭ ‬وكان‭ ‬يصعد‭ ‬إلى‭ ‬شقته‭ ‬فى‭ ‬الدور‭ ‬الخامس‭ ‬على‭ ‬قدميه،‭ ‬وعندما‭ ‬عرضوا‭ ‬عليه‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬أكثر‭ ‬سعة‭ ‬يناسب‭ ‬مكانته‭ ‬كشيخ‭ ‬للأزهر‭ ‬رفض‭ ‬وظللنا‭ ‬فى‭ ‬شقتنا‭ ‬بالمنيل‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬توفاه‭ ‬الله،‭ ‬وبالمناسبة‭ ‬كان‭ ‬الداعية‭ ‬الإسلامى‭ ‬الشهير‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالله‭ ‬شحاتة‭ ‬أستاذ‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬بكلية‭ ‬دار‭ ‬العلوم‭ ‬جارنا‭ ‬بالمنيل‭ ‬وكنت‭ ‬أراه‭ ‬كثيرًا،‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬يقطن‭ ‬فى‭ ‬الدور‭ ‬السادس‭ ‬فى‭ ‬نفس‭ ‬العمارة‭ ‬التى‭ ‬يقطن‭ ‬بها‭ ‬والد‭ ‬زوجتى،‭ ‬وكان‭ ‬عالمًا‭ ‬فاضًلا‭ ‬مخلصًا‭ ‬لدينه،‭ ‬وكان‭ ‬يرفض‭ ‬أية‭ ‬حوافز‭ ‬أو‭ ‬مكافآت،‭ ‬فقد‭ ‬بلغ‭ ‬زهده‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يحصل‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬راتبه‭ ‬فقط‭ ‬بشهادة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬عاصروه‭ ‬وقتها،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬أى‭ ‬أموال‭ ‬تأتيه‭ ‬مقابل‭ ‬أبحاثه‭ ‬وكتبه‭ ‬ودروسه‭ ‬فى‭ ‬الإذاعة‭ ‬والتليفزيون،‭ ‬ويجعلها‭ ‬فى‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭.‬

الشيخ جاد الحق مع الرؤساء السابقين مبارك وصدام حسين وعلي عبدالله صالح والعاهل الأردني الملك حسين


●‭ ‬هناك‭ ‬واقعة‭ ‬شهيرة‭ ‬تتردد‭ ‬بأن‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬حسنى‭ ‬مبارك‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬والدكم‭ ‬استصدار‭ ‬فتوى‭ ‬بإباحة‭ ‬فوائد‭ ‬البنوك‭ ‬والتى‭ ‬كان‭ ‬يحرمها‭ ‬الأزهر‭ ‬تمامًا‭ ‬فرفض‭ ‬الشيخ‭ ‬رفضًا‭ ‬قاطعًا‭.. ‬فما‭ ‬ردك؟
‭- ‬هذا‭ ‬كلام‭ ‬فارغ،‭ ‬وقرأته‭ ‬كثيرًا،‭ ‬لكن‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬أسلوب‭ ‬الرئيس‭ ‬‮«‬مبارك‮»‬‭ ‬أساسًا،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يحترم‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬جدًا،‭ ‬وأتذكر‭ ‬أيام‭ ‬‮«‬مؤتمر‭ ‬المرأة‭ ‬والسكان‮»‬‭ ‬أن‭ ‬والدى‭ ‬رفض‭ ‬مناقشة‭ ‬وثيقة‭ ‬السكان‭ ‬وعارض‭ ‬دعوات‭ ‬الانحلال‭ ‬الأسرى‭ ‬والشذوذ‭ ‬والخروج‭ ‬على‭ ‬الفطرة‭ ‬السليمة،‭ ‬مما‭ ‬أحبط‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يخطط‭ ‬له‭ ‬القائمون‭ ‬على‭ ‬المؤتمر،‭ ‬واتصل‭ ‬بالرئيس‭ ‬مبارك‭ ‬وقتها‭ ‬وأخبره‭ ‬أن‭ ‬المؤتمر‭ ‬ضد‭ ‬شريعة‭ ‬الإسلام‭ ‬فجعل‭ ‬‮«‬مبارك‮»‬‭ ‬موقف‭ ‬الدولة‭ ‬هو‭ ‬موقف‭ ‬الأزهر،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الصحفيين‭ ‬عندما‭ ‬سألوه‭ ‬فى‭ ‬افتتاح‭ ‬معرض‭ ‬الكتاب‭ ‬وقتها‭ ‬ماذا‭ ‬سيفعل‭ ‬بعد‭ ‬رفض‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر‭ ‬فرد‭ ‬الرئيس‭: ‬‮«‬اللى‭ ‬يقوله‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر‭ ‬نقول‭ ‬له‭ ‬سمعًا‭ ‬وطاعة‭ ‬ولا‭ ‬أود‭ ‬الحديث‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‮»‬‭ ‬فكان‭ ‬ردًا‭ ‬قاطعًا،‭ ‬مما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬احترام‭ ‬الرئيس‭ ‬‮«‬مبارك‮»‬‭ ‬وقتها‭ ‬لشيخ‭ ‬الأزهر‭ ‬ورأيه‭ ‬الذى‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬الشرع‭.‬

رسمي عجلان


مواقف‭ ‬شجاعة‭ ‬وصريحة
يقول‭ ‬الباحث‭ ‬الإسلامى‭ ‬الشيخ‭ ‬رسمى‭ ‬عجلان‭ ‬عضو‭ ‬الرابطة‭ ‬العالمية‭ ‬لخريجى‭ ‬الأزهر‭ ‬أحد‭ ‬تلاميذ‭ ‬الإمام‭ ‬جاد‭ ‬الحق‭: ‬كان‭ ‬لفضيلة‭ ‬الإمام‭ ‬الأكبر‭ ‬مواقف‭ ‬جريئة‭ ‬وصريحة‭ ‬فى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬والمشكلات‭ ‬المحلية‭ ‬والدولية‭ ‬إيمانا‭ ‬برسالته‭ ‬الكبرى‭ ‬كشيخ‭ ‬للأزهر‭ ‬وإمام‭ ‬للمسلمين،‭ ‬وأذكر‭ ‬منها‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬نصيرًا‭ ‬للأقليات‭ ‬المسلمة‭ ‬المستضعفة‭ ‬فى‭ ‬العالم،‭ ‬وكان‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬مناسبة‭ ‬ينبه‭ ‬إلى‭ ‬خطورة‭ ‬التحديات‭ ‬التى‭ ‬تواجهها،‭ ‬أيضاً‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬أعلن‭ ‬موقفه‭ ‬من‭ ‬العدوان‭ ‬الصربى‭ ‬على‭ ‬المسلمين‭ ‬فى‭ ‬البوسنة‭ ‬والهرسك،‭ ‬وأن‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬صليبية‭ ‬فى‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬هدفها‭ ‬إبادة‭ ‬المسلمين‭ ‬فى‭ ‬البوسنة‭ ‬وكان‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬دعا‭ ‬إلى‭ ‬عقد‭ ‬مؤتمر‭ ‬إسلامى‭ ‬فى‭ ‬الجامع‭ ‬الأزهر‭ ‬عقب‭ ‬صلاة‭ ‬الجمعة‭ ‬لمناصرة‭ ‬شعب‭ ‬البوسنة‭ ‬والهرسك،‭ ‬ونجح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬منصبه‭ ‬كرئيس‭ ‬للمجلس‭ ‬الإسلامى‭ ‬العالمى‭ ‬للدعوة‭ ‬والإغاثة‭ ‬أن‭ ‬يجمع‭ ‬ملايين‭ ‬الدولارات‭ ‬وإرسالها‭ ‬للمجاهدين‭ ‬فى‭ ‬البوسنة،‭ ‬أيضاً‭ ‬موقفه‭ ‬الشجاع‭ ‬فى‭ ‬مناصرة‭ ‬المجاهدين‭ ‬فى‭ ‬الشيشان‭ ‬فى‭ ‬الحرب‭ ‬التى‭ ‬نشبت‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬الروس،‭ ‬حيث‭ ‬أكد‭ ‬أنه‭ ‬لولا‭ ‬تمسك‭ ‬شعب‭ ‬الشيشان‭ ‬بإسلامهم‭ ‬ما‭ ‬حاربهم‭ ‬الدب‭ ‬الروسى،‭ ‬كما‭ ‬شغلت‭ ‬قضية‭ ‬القدس‭ ‬حيزًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬عقل‭ ‬وقلب‭ ‬الإمام‭ ‬الراحل،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬أن‭ ‬القدس‭ ‬ستظل‭ ‬عربية‭ ‬إسلامية‭ ‬إلى‭ ‬قيام‭ ‬الساعة‭ ‬رغم‭ ‬أنف‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬كما‭ ‬رفض‭ ‬الإمام‭ ‬الراحل‭ ‬سياسة‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬ما‭ ‬استمرت‭ ‬فى‭ ‬اغتصابها‭ ‬للأراضى‭ ‬العربية،‭ ‬وكان‭ ‬مما‭ ‬قاله‭ ‬‮«‬لا‭ ‬سلام‭ ‬مع‭ ‬المغتصبين‭ ‬اليهود‭ ‬ولا‭ ‬سلام‭ ‬إلا‭ ‬بتحرير‭ ‬الأرض‭ ‬العربية‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬رفض‭ ‬فضيلته‭ ‬زيارة‭ ‬المسلمين‭ ‬للقدس‭ ‬بعدما‭ ‬أفتى‭ ‬بعض‭ ‬العلماء‭ ‬بجواز‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬عقد‭ ‬اتفاقية‭ ‬أوسلو‭ ‬عام‭ ‬1933‭ ‬بين‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بقيادة‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭ ‬والحكومة‭ ‬الصهيونية‭ ‬بقيادة‭ ‬إسحاق‭ ‬رابين‭ ‬وأعلنها‭: ‬‮«‬أن‭ ‬من‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬القدس‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬آثم‭ ‬آثم‭ ‬حتى‭ ‬تتطهر‭ ‬من‭ ‬دنس‭ ‬المغتصبين‭ ‬اليهود‭ ‬وتعود‭ ‬إلى‭ ‬أهلها‮»‬،‭ ‬وعلى‭ ‬إثر‭ ‬هذا‭ ‬النداء‭ ‬القوى‭ ‬من‭ ‬الإمام‭ ‬الراحل‭ ‬دعا‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬بطريرك‭ ‬الكنيسة‭ ‬الأرثوذكسية‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬المسيحيين‭ ‬لعدم‭ ‬زيارة‭ ‬القدس‭.‬
ويستكمل‭ ‬الشيخ‭ ‬‮«‬عجلان‮»‬‭ ‬قائلاً‭: ‬أذكر‭ ‬موقفه‭ ‬الواضح‭ ‬والقوى‭ ‬من‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬فقد‭ ‬رفض‭ ‬أن‭ ‬يستقبل‭ ‬الرئيس‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬عيزرا‭ ‬وايزمان‭ ‬إبان‭ ‬زيارته‭ ‬للقاهرة‭ ‬بعد‭ ‬عقد‭ ‬اتفاقية‭ ‬أوسلو‭ ‬مما‭ ‬سبب‭ ‬حرجًا‭ ‬شديدًا‭ ‬للحكومة‭ ‬المصرية‭ ‬وللرئيس‭ ‬الصهيونى،‭ ‬وأدان‭ ‬الحادث‭ ‬الإجرامى‭ ‬الذى‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬يهودى‭ ‬متطرف‭ ‬عندما‭ ‬قتل‭ ‬عشرات‭ ‬المصلين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬فى‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬داخل‭ ‬الحرم‭ ‬الإبراهيمى‭ ‬عام‭ ‬1994،‭ ‬كما‭ ‬رفض‭ ‬فضيلته‭ ‬ما‭ ‬تردد‭ ‬عن‭ ‬حصول‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬مياه‭ ‬النيل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشروع‭ ‬ترعة‭ ‬السلام،‭ ‬وقال‭ ‬مقولته‭ ‬الشهيرة‭: ‬إن‭ ‬حصول‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬مياه‭ ‬النيل‭ ‬أصعب‭ ‬من‭ ‬احتلالها‭ ‬سطح‭ ‬القمر،‭ ‬وعن‭ ‬الأسرى‭ ‬المصريين‭ ‬الذين‭ ‬قتلتهم‭ ‬إسرائيل‭ ‬عمدًا‭ ‬إبان‭ ‬يونيو‭ ‬1967‭ ‬وأثارتها‭ ‬الصحافة‭ ‬المصرية‭ ‬قال‭ ‬فضيلته‭ ‬‮«‬القتل‭ ‬العمد‭ ‬ضد‭ ‬أسرانا‭ ‬يستحق‭ ‬القصاص‮»‬‭.‬
●‭ ‬وماذا‭ ‬عن‭ ‬موقف‭ ‬فضيلة‭ ‬الإمام‭ ‬جاد‭ ‬الحق‭ ‬الشهير‭ ‬من‭ ‬المؤتمر‭ ‬الدولى‭ ‬للسكان‭ ‬والتنمية‭ ‬الذى‭ ‬عقد‭ ‬فى‭ ‬القاهرة‭ ‬عام‭ ‬1994‭ ‬وسر‭ ‬رفضه‭ ‬له؟
‭- ‬يعتبر‭ ‬موقف‭ ‬الإمام‭ ‬الراحل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬الخالدة‭ ‬والشجاعة‭ ‬لفضيلته،‭ ‬حيث‭ ‬أعاد‭ ‬فيه‭ ‬للأزهر‭ ‬مكانته‭ ‬ومقامه‭ ‬الرفيع‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الدولية‭ ‬باعتباره‭ ‬حامى‭ ‬حمى‭ ‬الإسلام‭ ‬والمدافع‭ ‬عنه‭ ‬ضد‭ ‬محاولات‭ ‬التغريب،‭ ‬فقد‭ ‬تناقلت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬العالمية‭ ‬قبيل‭ ‬انعقاد‭ ‬المؤتمر‭ ‬وثيقة‭ ‬المؤتمر‭ ‬التى‭ ‬تتضمن‭ ‬إباحة‭ ‬الشذوذ‭ ‬الجنسى‭ ‬والزنا‭ ‬وحمل‭ ‬الصغيرات‭ ‬العذارى‭ ‬وإباحة‭ ‬إجهاض‭ ‬الزوجات‭ ‬الشرعيات‭ ‬الحرائر،‭ ‬فأصدر‭ ‬فضيلته‭ ‬بيانًا‭ ‬شديد‭ ‬اللهجة‭ ‬والصراحة‭ ‬برفض‭ ‬وثيقة‭ ‬المؤتمر،‭ ‬لأنها‭ ‬تخالف‭ ‬شريعة‭ ‬الإسلام‭ ‬وسارعت‭ ‬وقتها‭ ‬الحكومة‭ ‬المصرية‭ ‬والقيادة‭ ‬السياسية‭ ‬المصرية‭ ‬بتبنى‭ ‬سياسة‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر‭ ‬وكذلك‭ ‬تصدى‭ ‬فضيلته‭ ‬لمسابقة‭ ‬ملكة‭ ‬جمال‭ ‬النيل‭ ‬من‭ ‬الفتيات‭ ‬فى‭ ‬عمر‭ ‬المراهقة،‭ ‬وكتب‭ ‬مقالا‭ ‬فى‭ ‬الأهرام‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬‭ ‬أوقفوا‭ ‬هذا‭ ‬العبث‭ ‬فورً‭ ‬باسم‭ ‬وفاء‭ ‬النيل‮»‬‭. ‬كما‭ ‬شهد‭ ‬الأزهر‭ ‬الشريف‭ ‬فى‭ ‬عهده‭ ‬نهضة‭ ‬كبيرة‭ ‬وانتشرت‭ ‬المعاهد‭ ‬الأزهرية‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬قرى‭ ‬ومدن‭ ‬مصر،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬تنتشر‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬حتى‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬المعاهد‭ ‬الأزهرية‭ ‬فى‭ ‬عهده‭ ‬6500‭ ‬معهد،‭ ‬فقد‭ ‬زرع‭ ‬الإمام‭ ‬الراحل‭ ‬المعاهد‭ ‬الأزهرية‭ ‬فى‭ ‬قرى‭ ‬مصر‭ ‬كما‭ ‬تزرع‭ ‬النخيل‭ ‬فى‭ ‬الصحراء‭.‬

مدخل قرية بطرة مسقط رأس الإمام الأكبر جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق
عبدالقادر أحمد


لا‭ ‬وساطة
أما‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالقادر‭ ‬أحمد‭ ‬جاد‭ ‬الحق‭ ‬‮«‬مأذون‭ ‬قرية‭ ‬بطرة‮»‬‭ ‬نجل‭ ‬ابن‭ ‬عم‭ ‬الإمام‭ ‬الراحل‭ ‬فيقول‭: ‬صحبت‭ ‬عمى‭ ‬الإمام‭ ‬كثيرًا‭ ‬فى‭ ‬حياته‭ ‬وتعلمت‭ ‬منه،‭ ‬وقد‭ ‬تزوج‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬ابنة‭ ‬عمه‭ ‬فضيلة‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالمعطى‭ ‬الفضالى‭ ‬وكان‭ ‬أستاذا‭ ‬بكلية‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بجامعة‭ ‬الأزهر‭ ‬الشريف‭. ‬وأنجب‭ ‬ثلاثة‭ ‬أبناء‭ ‬هم‭ ‬على‭ ‬الأبن‭ ‬الأكبر‭ ‬وهو‭ ‬خريج‭ ‬كلية‭ ‬تجارة‭ ‬وعمل‭ ‬فى‭ ‬عدة‭ ‬بنوك‭ ‬إسلامية‭ ‬حتى‭ ‬بلغ‭ ‬سن‭ ‬المعاش،‭ ‬ومدحت‭ ‬الابن‭ ‬الثانى‭ ‬وكان‭ ‬ضابطًا‭ ‬بالقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬ثم‭ ‬خرج‭ ‬بعد‭ ‬إصابته‭ ‬وعمل‭ ‬بالأعمال‭ ‬المدنية‭ ‬بالخارج،‭ ‬وأخيرا‭ ‬نجله‭ ‬الأصغر‭ ‬أسامة‭ ‬وهو‭ ‬ضابط‭ ‬بحرى‭ ‬بالمعاش،‭ ‬أما‭ ‬الأحفاد،‭ ‬فللإمام‭ ‬الأكبر‭ ‬6‭ ‬أحفاد،‭ ‬خمس‭ ‬بنات‭ ‬وولد،‭ ‬أما‭ ‬عمى‭ ‬الإمام‭ ‬جاد‭ ‬الحق‭ ‬فكان‭ ‬لا‭ ‬ينقطع‭ ‬مطلقًا‭ ‬عن‭ ‬زيارة‭ ‬قريته‭ ‬وأهل‭ ‬بلدته‭ ‬ويكرم‭ ‬الصغير‭ ‬ويحسن‭ ‬إلى‭ ‬الجار‭ ‬وكانوا‭ ‬ينتظرون‭ ‬موعد‭ ‬حضوره‭ ‬لعرض‭ ‬مشكلاتهم‭ ‬عليه‭ ‬حتى‭ ‬يحلها،‭ ‬وكان‭ ‬لا‭ ‬يرغب‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬شىء‭ ‬إلا‭ ‬المنفعة‭ ‬العامة‭ ‬للناس،‭ ‬فعندما‭ ‬أقاموا‭ ‬معهد‭ ‬بطرة‭ ‬الأزهرى‭ ‬طلبوا‭ ‬منه‭ ‬تسمية‭ ‬المعهد‭ ‬باسمه‭ ‬فقال‭ ‬‮«‬بطرة‭ ‬أبقى‭ ‬من‭ ‬جاد‭ ‬الحق‮»‬‭ ‬ولم‭ ‬يسم‭ ‬المعهد‭ ‬باسمه‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬وفاته،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قام‭ ‬وكيل‭ ‬الأزهر‭ ‬بتغيير‭ ‬اسمه،‭ ‬وكل‭ ‬أموال‭ ‬التبرعات‭ ‬بنى‭ ‬بها‭ ‬المجمع‭ ‬الإسلامى‭ ‬والمستشفى‭ ‬بالقرية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الجائزة‭ ‬العالمية‭ ‬التى‭ ‬حصل‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬الملك‭ ‬فيصل‭ ‬والتى‭ ‬تبرع‭ ‬بها‭ ‬لهذا‭ ‬المبنى‭ ‬والمنحة‭ ‬الكويتية‭ ‬التى‭ ‬بنى‭ ‬بها‭ ‬المستشفى،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬علاقتى‭ ‬به‭ ‬كأب‭ ‬وولده‭ ‬فقد‭ ‬تحملنى‭ ‬كثيرًا‭ ‬وأنا‭ ‬طالب‭ ‬فى‭ ‬جامعة‭ ‬الأزهر،‭ ‬وأذكر‭ ‬أننى‭ ‬ذهبت‭ ‬للعمل‭ ‬فى‭ ‬الجامعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬بالسعودية‭ ‬وطلبت‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬سنة‭ ‬زيادة‭ ‬عن‭ ‬حقى‭ ‬فى‭ ‬إجازة‭ ‬بدون‭ ‬مرتب،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬القانون،‭ ‬فقدمت‭ ‬له‭ ‬طلبًا‭ ‬ألتمس‭ ‬فيه‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬السنة‭ ‬الخامسة،‭ ‬فاستدعانى‭ ‬وقال‭ ‬لى‭ ‬إذا‭ ‬كنت‭ ‬ابن‭ ‬جاد‭ ‬الحق‭ ‬فهذا‭ ‬ليس‭ ‬مسوغًا‭ ‬لك‭ ‬لأخذ‭ ‬حق‭ ‬غيرك‭ ‬فإذا‭ ‬أردت‭ ‬العمل‭ ‬بالسعودية‭ ‬قدم‭ ‬استقالتك،‭ ‬وقد‭ ‬قدمت‭ ‬استقالتى،‭ ‬واستكملت‭ ‬العمل‭ ‬هناك‭ ‬ورفض‭ ‬أن‭ ‬يخالف‭ ‬القانون،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬يقبل‭ ‬بالوساطة‭ ‬تحقيًقا‭ ‬للعدل‭.‬

معهد الإمام جاد الحق بالقرية


أما‭ ‬الحاج‭ ‬سيد‭ ‬أمين‭ ‬من‭ ‬أهالى‭ ‬القرية‭ ‬فيقول‭: ‬كان‭ ‬الشيخ‭ ‬جاد‭ ‬الحق‭ ‬يأتى‭ ‬إلينا‭ ‬بسيارات‭ ‬خاصة‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬سيارات‭ ‬المشيخة،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يركب‭ ‬‮«‬تاكسى‮»‬‭ ‬من‭ ‬المنصورة‭ ‬إلى‭ ‬بطرة‭ ‬ليزور‭ ‬عائلته‭ ‬وشقيقاته،‭ ‬وقد‭ ‬اشترى‭ ‬قطعة‭ ‬أرض‭ ‬من‭ ‬ماله‭ ‬الخاص‭ ‬ليبنى‭ ‬عليها‭ ‬مسجدًا‭ ‬ودار‭ ‬أيتام‭ ‬ومجمع‭ ‬طبى‭ ‬ودار‭ ‬ضيافة‭ ‬وكلف‭ ‬أحد‭ ‬الأشخاص‭ ‬وهو‭ ‬الحاج‭ ‬فريد‭ ‬باستكمال‭ ‬بناء‭ ‬المسجد،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬افتتاحه‭ ‬أول‭ ‬رمضان‭ ‬وقتها‭ ‬وتم‭ ‬بناء‭ ‬ضريح‭ ‬للشيخ‭ ‬أسفل‭ ‬المسجد‭ ‬عندما‭ ‬علمنا‭ ‬بوفاته‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬وقد‭ ‬حضر‭ ‬يوم‭ ‬الوفاة‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬سيد‭ ‬طنطاوى‭ ‬مفتى‭ ‬الجمهورية‭ ‬آنذاك،‭ ‬لصلاة‭ ‬الجنازة‭ ‬عليه‭ ‬وفوجئنا‭ ‬بعدها‭ ‬بالشيخ‭ ‬الشعراوى‭ ‬الذى‭ ‬طلب‭ ‬منا‭ ‬فتح‭ ‬المقبرة‭ ‬وقال‭ ‬ما‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬أغلقوها‭ ‬على‭ ‬بركة‭ ‬الله،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ظل‭ ‬برهة‭ ‬من‭ ‬الوقت،‭ ‬وكنت‭ ‬شاهد‭ ‬عيان‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬رحم‭ ‬الله‭ ‬الجميع‭.‬

المسجد الذي قام ببنائه الإمام في مسقط رأسه


أما‭ ‬‮«‬محمد‮»‬‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬القرية‭ ‬ويعد‭ ‬حفيدًا‭ ‬للشيخ‭ ‬جاد‭ ‬الحق‭ ‬وهو‭ ‬عامل‭ ‬بالمسجد‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1997‭ ‬بعد‭ ‬إنشائه‭ ‬وتسليمه‭ ‬لمديرية‭ ‬الأوقاف،‭ ‬وأذكر‭ ‬أن‭ ‬الشيخ‭ ‬جاد‭ ‬الحق‭ ‬كان‭ ‬يأتى‭ ‬إلى‭ ‬جدتى‭ ‬فى‭ ‬القرية‭ ‬بسيارته‭ ‬المرسيدس‭ ‬دون‭ ‬حراسة‭ ‬بمفرده‭ ‬وينزل‭ ‬منها‭ ‬ليسلم‭ ‬على‭ ‬جدتى،‭ ‬فهى‭ ‬ابنة‭ ‬عمه،‭ ‬وكان‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬يرفض‭ ‬الوساطة‭ ‬فقد‭ ‬رفض‭ ‬أن‭ ‬يمنحنى‭ ‬وظيفة‭ ‬فى‭ ‬المستشفى‭ ‬وقت‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬افتتاحه‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬دخلت‭ ‬مسابقة‭ ‬ونجحت‭ ‬كغيرى‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬آخذ‭ ‬حق‭ ‬أحد،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يخشى‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل،‭ ‬وكان‭ ‬يأتى‭ ‬عند‭ ‬جدى‭ ‬رزق‭ ‬الخميسى‭ ‬ببطرة‭ ‬سرًا‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬أحد‭ ‬بقدومه‭ ‬فى‭ ‬غير‭ ‬المناسبات‭ ‬الرسمية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬توفاه‭ ‬الله‭ ‬ودفن‭ ‬فى‭ ‬ضريح‭ ‬أسفل‭ ‬المسجد‭ ‬الذى‭ ‬بناه‭ ‬بالقرية،‭ ‬ويوم‭ ‬أن‭ ‬مات‭ ‬نعته‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬بالكامل‭.‬
الرحيل
ويعود‭ ‬نجله‭ ‬الأوسط‭ ‬‮«‬مدحت‮»‬‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬رحيل‭ ‬الإمام‭ ‬قائلًا‭: ‬كنت‭ ‬خارج‭ ‬مصر‭ ‬وقتها،‭ ‬وكان‭ ‬شقيقاى‭ ‬‮«‬على‮»‬‭ ‬و«أسامة‮»‬‭ ‬معه‭ ‬بالقاهرة،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬عاد‭ ‬شقيقى‭ ‬‮«‬أسامة‮»‬‭ ‬للإسكندرية،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يقيم‭ ‬هناك‭ ‬بسبب‭ ‬عمله‭ ‬ضابطاً‭ ‬بالبحرية‭ ‬وفوجئ‭ ‬باتصال‭ ‬تليفونى‭ ‬فى‭ ‬الواحدة‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‭ ‬بالعودة‭ ‬للقاهرة،‭ ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬بجوار‭ ‬شقتنا‭ ‬فى‭ ‬المنيل‭ ‬الدكتور‭ ‬إبراهيم‭ ‬شلبى‭ ‬وهو‭ ‬طبيب‭ ‬بمجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬استدعاه‭ ‬أشقائى‭ ‬لتوقيع‭ ‬الكشف‭ ‬الطبى‭ ‬على‭ ‬والدى‭ ‬الذى‭ ‬توفى‭ ‬فجر‭ ‬الجمعة‭ ‬15‭ ‬مارس‭ ‬وصلى‭ ‬عليه‭ ‬الجنازة‭ ‬إمام‭ ‬الدعاة‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬متولى‭ ‬الشعراوى‭ ‬فى‭ ‬الجامع‭ ‬الأزهر،‭ ‬ولم‭ ‬أحضر‭ ‬الجنازة‭ ‬بسبب‭ ‬وجودى‭ ‬بالخارج‭ ‬وقتها‭ ‬لكنى‭ ‬حضرت‭ ‬العزاء‭ ‬الذى‭ ‬أقامه‭ ‬الأزهر‭ ‬الشريف‭ ‬يوم‭ ‬السبت‭ ‬16‭ ‬مارس‭. ‬