بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

فيلم كليوباترا ليس أولى محاولاتهم:

"الأفروسنتريك".. "حرامى" التاريخ

فيلم كليوباترا
فيلم كليوباترا

خرجت منصة «نتفليكس» فى الأسابيع الماضية معلنة عن عرض فيلم وثائقى فى العاشر من مايو الجارى عن الملكة كليوباترا التى حكمت مصر فى أواخر عصر الدولة الفرعونية، ورغم أنه من الثابت تاريخياً أن كليوباترا كانت مقدونية الأصل إلا أن الفيلم صورها ببشرة خمرية وكأنها ذات أصول أفريقية، وهى مغالطة واضحة للتاريخ تعكس أفكاراً غريبة تم طرحها فى الآونة الأخيرة حول أصول الحضارة المصرية فيما أسماه البعض «بالأفروسنتريك» أو المركزية الأفريقية.

هذا الفيلم ليس أولى محاولات أدعياء الأفروسنتريك لسرقة تاريخ مصر، بل سبقته محاولات أخرى هدفها تزييف تاريخ منطقة شمال أفريقيا بأكملها ونسبها لغير أصحابها، إلا أن الخبراء أكدوا أن وراء هذه المحاولات أهدافاً أخرى لزعزعة استقرار المنطقة.

وتجسد دور كليوباترا فى الفيلم الجديد الفنانة جادا بينكيت سميث ذات الأصول الأفريقية وزوجة الممثل الأمريكى ويل سميث التى تعتبر واحدة من أهم الداعمين لحركة «الأفروسنتريك» وهو ما اعتبره الخبراء دليلاً على الحملة الممنهجة لنسب الحضارة المصرية القديمة للأفارقة.

لذلك عبر عدد كبير من علماء الآثار والتاريخ عن غضبهم من فكرة الفيلم والاستعانة بممثلة سمراء البشرة لتجسيد شخصية كليوباترا، معتبرين أن هذه الخطوة متعمَّدة لإظهارها على أنّها أفريقية لا مصرية، كما طالب روّاد مواقع التواصل الاجتماعى والمتخصصون فى علم الآثار بوقف عرض الفيلم ومقاطعته لأنه يُعد جزءاً من حملة تشويه الحضارة المصرية، وشن عدد كبير من رواد مواقع التواصل الاجتماعى حملة توقيعات إلكترونية لإلغاء عرض الفيلم، مما أدى إلى انخفاض أسهم منصة نتفليكس بنسبة ٥٪ وهو ما يعادل ٥ مليارات دولار، بالإضافة إلى تراجع نسب الإعجاب بتريلر الفيلم، كما قامت المنصة بإغلاق خاصية التعليقات لمنع التعبير عن الرأى تجاه الفيلم المُزيف لتاريخ مصر القديمة، وأبلغ عدد من النشطاء عن حساب الانستجرام الخاص بالممثلة جادا سميث كحساب يروج لمعلومات زائفة وكاذبة مما أدى إلى حظره.

هذه ليست المحاولة الأولى لتزييف تاريخ مصر فقد بثت نفس المنصة فى عام 2019 فيلم «Kevin Hart's Guideto BlackHistory» للممثل الأمريكى كيفين هارت الذى نسب إليه وقتها تصريحاً قال فيه: « يجب أن نُعلّم أولادنا تاريخ الأفارقة السود الحقيقى عندما كانوا ملوكًا فى مصر، وليس فقط حقبة العبودية، التى يتم ترسيخها فى التعليم فى أمريكا».

وبعد طرح تريلر فيلم كليوباترا نشر المجلس الأعلى للآثار بياناً مطوّلاً ذكر فيه أن الخبراء شدّدوا على أنّ كليوباترا كانت ذات بشرة فاتحة اللون وملامح هيلنستية «يونانية» وقال الدكتور مصطفى وزيرى، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار فى بيان صحفى: يتعين على القائمين على صناعة الفيلم تحرى الدقة والاستناد إلى الحقائق التاريخية والعلمية بما يضمن عدم تزييف تاريخ وحضارات الشعوب، مضيفًا: «يجب الرجوع إلى متخصصى علم الآثار والأنثروبولوجيا عند صناعة مثل هذه النوعية من الأفلام الوثائقية والتاريخية التى سوف تظل شاهدة على حضارات وتاريخ الأمم، مؤكدًا أن التماثيل والعملات المعدنية الأثرية الموجودة فى مصر تظهر كليوباترا بملامح يونانية من خلال الأنف المسحوب، والبشرة الفاتحة، والشفاه الرفيعة.

طمس الحضارة المصرية

ومن جانبه، قال الخبير الأثرى والمتخصص فى علم المصريات أحمد عامر إن «الأفروسنتريك» هو اتجاه يهدف إلى إحياء القومية لدى أصحاب البشرة السوداء فى العالم، وتتمحور أفكار أصحاب هذا الاتجاه حول التعصب العرقى للون الأسود، مدعين أن جميع حضارات شمال أفريقيا هى فى الأصل «زنجية» وألفوا العديد من الكتب لترويج تلك الأفكار الكاذبة، وأجمعوا أن منطقة شمال أفريقيا متمثلة فى مصر والمغرب والجزائر وتونس كانت أصولهم من أصحاب البشرة السمراء ولكن تمت إبادتهم قديما، وحاولوا أن يثبتوا أن المصريين القدماء أصلهم «زنوج»، وادعوا أن اللغة المصرية القديمة ترجع إلى «اللغة الأفريقية»، وأن أصل المصريين القدماء «سامى، حامى، زنجى، أفريقى»، وهى محاولات لسرقة الحضارة المصرية ومحاولة تغيير وتزييف الحقائق.

وأشار «عامر» إلى أنهم يرون أن المصريين الحاليين ليس لهم علاقة بالمصريين القدماء، وأن المصرى التقليدى مات أو هاجر إلى الجنوب، وكل من يعيشون فى شمال مصر «جنسيات بعيدة عن العرق المصري» جاءوا من دول عربية وأوروبية واحتلوا مصر.

وتابع «عامر» أن فيلم كليوباترا ما هو إلا محاولة تزييف الحقائق والتاريخ، فكليوباترا السابعة كانت آخر الحكام البطالمة لمصر، ولم تكن مصرية الأصل بل كانت يونانية حكمت مصر لنحو عشرين عاماً فى الفترة من عام ٥١ إلى عام ٣٠ ق.م، ووقع خلاف بينها وبين شقيقها بطليموس وحاول يوليوس انطونيوس حل هذا الخلاف، إلا أن كليوباترا كانت تسعى للاستيلاء على العرش فاختبأت داخل بساط كبير حمله أحد أتباعها كهدية إلى «أنطونيوس» وعندما دخل الرجل إلى القصر ظهرت هى من البساط كأنها عروس بحر فعشقها أنطونيوس ونشأت بينهما علاقة.

وفند الخبير الأثرى كذب إدعاءات حركة الأفروسنتريك بالدلائل العلمية، مؤكداً أن جميع الدراسات أكدت أن لون بشرة المصريين القدماء هو نفس لون بشرة الشعب المصرى حالياً، كما أن شكل جسد المصرى حالياً مطابق للهيكل والأطراف والجمجمة والعمود الفقرى والمنحنيات للمصريين القدماء، كما أن الخريطة الجينية للمصريين قديماً أثبتت تطابقها بنسبة ٧٠٪ لجينات المصريين حالياً.

الدولة وتزييف الهوية

وتقول ريهام أحمد عبدالرحمن، باحثة فى الإرشاد النفسى والتربوى بجامعة القاهرة إن هناك محاولات مستميتة من البعض لتزييف الحقائق التاريخية عن الحضارة المصرية، ولذلك لا بد من مواجهة هذه المحاولات بعدة طرق أهمها توعية النشء بأهمية التاريخ المصرى القديم من خلال الزيارات الميدانية للمتاحف والمعالم الأثرية وغرس احترام مقدسات الوطن فى نفوسهم، بالإضافة لدور المناهج التعليمية فى صناعة المحتوى الذى يجعل الطالب يعتز ويفخر بوطنه، لذا يجب الاهتمام بصناعة الأعمال الوثائقية والدرامية التى تحافظ على الهوية المصرية والتى تحاكى الحضارة الفرعونية القديمة من حيث الشكل والملابس وأجدر من يقدم هذه الشخصيات هم أبناء مصر من الفنانين والفنانات ليقدموا بذلك أعمالاً صادقة تعبر عن تاريخ وحضارة بلادهم.

وطالبت الخبيرة بضرورة وجود قوانين رادعة تجرم تزييف الهوية المصرية من قبل بعض المنصات الغربية، كما أن المصريين بالخارج حق الرد والدفاع عن هويتهم من خلال إقامة الندوات التثقيفية التى يعبرون من خلالها عن طبيعة الحضارة المصرية سواء على أرض الواقع أو من خلال منصات التواصل الاجتماعى.

وأكدت الباحثة فى الإرشاد النفسى أن الحفاظ على الحضارة المصرية لن يأتى إلا بالتكاتف من قبل جميع مؤسسات الدولة، فالأسرة والمدرسة لهم دور فى صناعة الوعى لدى الأبناء من خلال المسرح المدرسى والذى يتم من خلاله تمثيل النصوص المسرحية التى تنمّى الانتماء والاعتزاز بالحضارة الفرعونية القديمة، أيضاً الاهتمام من جانب الشركات الإعلامية بإنتاج المسلسلات التاريخية التى تحفظ للمصريين تراثهم الفكرى والثقافى، جانب الدور الهام لوزارة السياحة والآثار فى الدفاع عن الشخصيات التاريخية.

الدور التوعوى

والتقط أطراف الحديث الخبير التربوى تامر شوقى، أستاذ علم النفس التربوى بجامعة عين شمس، مشيراً إلى أن هناك محاولات للتشكيك المستمر فى جذور الحضارة الفرعونية ونسبها إلى شعوب أخرى، وهو ما يعكس الحقد الدفين لدى بعض الأفراد والمنظمات بل والدول تجاه تلك الحضارة العريقة، وتمثل ادعاءات الأفرو سنتريك إحدى محاولات الغزو الثقافى والفكرى للمجتمع المصرى، ويمكن الحفاظ على الهوية الوطنية من خلال العديد من الإجراءات: منها غرس جذور الهوية الوطنية فى نفوس الأطفال منذ المراحل الأولى من التعليم من خلال المناهج الدراسية المختلفة وتضمينها العديد من الدروس ذات الصلة بالتاريخ المصرى، وألا تقتصر تلك الدروس على مناهج التاريخ فقط، بل يتم تدريسها فى المقررات المختلفة مثل موضوعات القراءة والتربية الوطنية.

وطالب شوقى بعقد مسابقات ثقافية بين طلاب المدارس تتناول الجذور التاريخية للمجتمع المصرى، ومنح الفائزين فيها جوائز قيمة، وتنظيم رحلات منتظمة لطلاب المدارس إلى المتاحف والآثار المصرية فى الأقصر وأسوان وأهرامات الجيزة وغيرها، وطباعة معلومات عن الحضارة الفرعونية على أغلفة الكتب المدرسية فى كافة مراحل التعليم، وتصميم أفلام كرتونية وألعاب إلكترونية مصرية تتناول الشخصيات المصرية التاريخية ومدى عظمتها وإنجازاتها وتأثير تلك الإنجازات على البشرية، مع الاهتمام بالدراما التلفزيونية التى تركز على التاريخ الفرعونى، وإطلاق أسماء الشخصيات الفرعونية على بعض المدارس والشوارع فى كافة المدن والمحافظات، وإدخال أنشطة تعليمية تتناول اللغة الهيروغليفية فى مراحل التعليم المختلفة.

وأشار استاذ علم النفس التربوى إلى أن وزارات الخارجية والتعليم العالى والثقافة وهيئة الاستعلامات بالإضافة الى وسائل الإعلام المحلية بل والعربية لهم الدور الأكبر فى مواجهة تلك الهجمة الشرسة من خلال الاستعانة ببعض الشخصيات المصرية ذات المكانة العالمية، مثل محمد صلاح، والكابتن حسن مصطفى، فى نشر فكرة أصالة الحضارة الفرعونية المصرية والكشف عن زيف ادعاءات أن الحضارة الفرعونية نعود إلى أصول غير مصرية من خلال المؤتمرات الإقليمية والدولية، والاستعانة بأساتذة الجامعات المصريين فى جامعات العالم والمتخصصين فى علم المصريات لتوضيح كذب تلك الادعاءات.

وتابع: لا بد من التعاون مع المنظمات الدولية مثل اليونسكو لتوضيح ادعاءات الأفرو سنتريك التى لا تستند إلى أى دليل علمى، وبث إعلانات على المحطات التلفزيونية العالمية أو مواقع الانترنت لتوضيح جذور الحضارة المصرية العريقة، واستغلال مباريات كرة القدم التى تشارك فيها فرق عالمية لعرض إعلانات عن أصول الحضارة المصرية، وطباعة كتيبات عنها وتوزيعها مجاناً على السائحين.

تكاتف المصريين هو الحل

مصطفى رجب، رئيس جمعية المصريين فى أوروبا، أكد أن تعرض الهوية المصرية لمحاولات التشويه دليل على عظمتها وأن ما تضمه من تاريخ وإنجازات يثير غيرة الآخرين ساعين لطمس التاريخ وتزييف الحقائق، مثلما قيل فى بناء الأهرامات.

وتابع أن من يدعون أن كليوباترا كانت سمراء عليهم العودة إلى كتب التاريخ والمؤرخين وعلماء الاَثار المنصفين فى العالم والذين يؤكدون أنها كانت يونانية الأصل واليونانيون ليسوا أفارقة، وتساءل رجب عن سر هذا الهوس بالانتماء الأفريقى لملكة مصر كليوباترا، موضحاً أن الفيلم لا يمكن اعتباره من قبيل حرية الفن بل تعبير دقيق عن ديكتاتورية الفن ومحاولات تزييف التاريخ المصرى القديم، فلماذا هذا العمل على تغيير الحضارة المصرية؟

واختتم «رئيس الجمعية»، كلامه قائلاً: «لابد أن نقف جميعاً ومؤسساتنا الرسمية فى وجه محاولات تشويه التاريخ، فكلنا يتحمل المسؤولية، خاصة المصريين فى الخارج، لذا قمنا بدعوة مجلس إدارة اتحاد الكيانات المصرية فى أوروبا لاجتماع طارئ، تناولنا فيه أبعاد المؤامرة ووضعنا خطة للتعامل معها، واعتمدت خطتنا على محورين الأول هو كتابة رسالة احتجاج الى منتجى الفيلم، والثانى يركز على عمل حملات توعية بأصول الحضارة المصرية القديمة.

تحرك قانونى

على صعيد آخر تقدم المحامى محمود السمرى ببلاغ للنائب العام لغلق منصة نتفليكس Netflix، بعد الإعلان عن بث الفيلم، مطالبًا باتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضد القائمين على هذا العمل، والتحقيق معهم وحجب بث المنصة فى مصر ومخاطبة كافة الجهات المعنية وخاصة الهيئة الوطنية للإعلام لتحقيق ذلك.

 

ومن جانبه، أكد أيمن محفوظ، الخبير القانونى، أن الأفروسنتريك، هى محاولة رخيصة لسرقة التاريخ، ونسبها زوراً إلى غير المصريين، موضحاً أن هذه الأفعال هدفها نشر النزاعات بين الشعوب المتجاورة ونشر الحروب، خاصة بين شمال أفريقيا وجنوبها، وهو ما سيعود على الغرب بمكاسب سياسية ومالية، من خلال بيع الأسلحة وإمكانية التدخل فى الشئون الأفريقية من أجل نهب ثرواتهم، فضلاً عن تصدير مشاكل الغرب إلى الدول الأفريقية، لدفع فاتورة المجتمع الغربى.

وسألناه عن كيفية مواجهة هذه الفتنة بشكل قانونى، فأجاب قائلاً: «لا بد أن تقف مؤسسات الدولة فى وجه منصة نتفليكس ومقاضاتها أمام المحكمة الاقتصادية بسبب تشويه تاريخ مصر والحصول على تعويض عن الأضرار الناجمة عن ذلك.