بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

حكاية وطن

قدسية الأمومة!

الأم قيمة لا تقارن بأى شخص آخر فى الحياة، وتضحيات لا يقدر على تقديمها إلا هى، ولأهمية الأم خصص لها العالم يومًا من كل عام ليكون يومها وحدها نحتفل بها ونسعدها بكافة الطرق، على الرغم من أن تكريم الأم لا يجب أن يكون يومًا واحدًا فقط بل يجب أن يكون فى جميع الأيام بل وفى كل الأوقات.

ونحن نقدم باقة ورد لكل أم عرفانًا وتقديرًا بجميلها.. لا ننسى أم الشهيد التى أهدت للوطن أغلى ما تملك.

يحتفل المصريون بعيد الأم اليوم «21 مارس» بزيارة الأم وتقديم الهدايا اعترافًا بدور الأم الصالحة فى حياة كل إنسان، كما يتم تكريم الأمهات المثاليات المكافحات لإبراز قيمة الوفاء والتضحية وذلك على المستوى الرسمى وغير الرسمى، ففى عام 1991 تقرر الاحتفال بتكريم الأمهات المثاليات على مستوى الجمهورية يوم عيد الأم، وفى عام 2010 قررت وزارة التضامن الاجتماعى تشكل لجنة برئاسة رئيس الإدارة المركزية للرعاية الاجتماعية لاختيار المرشحين فى مسابقة عيد الأسرة على مستوى مديريات التضامن الاجتماعى بالمحافظات، تمهيدًا لتكريم الأمهات والآباء المثاليين الثلاثة الأوائل الفائزين باللقب ممن تتوافر فيهم الشروط والمعايير المحددة.

ويحرص الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية فى هذا اليوم على توجيه التهنئة لكل أم مصرية وتكريم الأمهات المثاليات على مستوى الجمهورية.

وللأم فضل كبير فى الأسرة والمجتمع كافة، فهى التى تنشئ أجيالاً تبنى المجتمع، وتساعد على عمارته، وهى التى تعطى أطفالها اللبنة الأولى فى كيفية الاستمرار فى الحياة، ولقد أوصى القرآن الكريم بالأم، وكرر تلك الوصية لفضل الأم ومكانتها فقال سبحانه: «ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا على وهن، وفصاله فى عامين، أن أشكر لى ولوالديك إلى المصير»، فرباط الوالدية «الأبوة والأمومة» وثيق جدًا لا يعكر عليه شىء حتى لو كان الوالدان مشركين، والعطف عليهما واجب مع عدم الإصغاء إليهما إن أمراه بما يخالف شريعة الله.

والإسلام قدس رابطة الأمومة، فجعلها ثابتة لا تتعرض للتبدلات والتغييرات، فحرم الزواج من الأمهات قال سبحانه: «حرمت عليكم أمهاتكم»، كما بين أن رباط الزوجة لا يمكن أن يتحول إلى رباط أمومة، قال سبحانه: «وَما جَعَلَ أزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أمَّهاتِكُمْ»، و« الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ۖ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ»، إلا أن هذه الرابطة تتأثر بهول يوم القيامة فقط، فيستقل الولد عن أمه، والأم عن ولدها، قال سبحانه: « يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ،لكُلِّ امْرِئٍ مِنهم يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ .. ».

هذا وإن رباط الأمومة يبيح للولد أن يأكل من بيت أمه: « لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا  ... حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم».

كما رفع الإسلام من مكانة الأمة، وجعل برها من أصول الفضائل، كما جعل حقها أعظم من حق الأب لما تحملته من مشاق فى الحمل والولادة والإرضاع والتربية، ولقد كرم الله الأم فجعل لها أعلى المراتب، وجعل الجنة تحت قدميها، فهى الإنسان الوحيد الذى قارن الله رحمته بها، كما أن الله جعل طاعة الأم ورضاها مفتاحًا من مفاتيح الجنة، ومعصيتها وعقها إحدى كبائر الذنوب التى تدس الإنسان فى أعماق الجحيم.

بسبب ما تقدم من حقوق وواجبات جعل الله الأم مسئولة عن تربية ولدها، فهى راعية ومسئولة عن رعيتها، وأشار سبحانه إلى هذه المسئولية الأخلاقية فى قوله: «

يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا

» وذلك على لسان قوم مريم عليها السلام، فالملحوظ أن قوم مريم أدركوا هذه المسئولية، فوجهوا إليها هذا الخطاب فى تقرير المسئولية الأخلاقية للوالدين.

إن تكريم الأمهات ليس وليد اليوم بل هو عادة اعتاد الناس عليها من قديم الزمان، وأن المجتمع المصرى منح المرأة مكانة متميزة وحقوقًا اجتماعية واقتصادية وسياسية مساوية للرجل قبل أكثر من 5000 عام، فقد كان الرجال فى مصر القديمة يقدرون المرأة ويكرمونها ويحتفلون بها فى احتفالات شبيهة بما يحدث فى عيد الأم حاليًا.

وترجع بدايات الاحتفال بعيد الأم إلى احتفالات فصل الربيع منذ العصور القديمة عند الإغريق، حيث كان الاحتفال «بريا» وهى أم الآلهة. وفى عام 1600، احتفلت إنجلترا بيوم الأمومة وكان يوافق يوم الأحد ويتم فيه تكريم الأمهات فى إنجلترا.

فالمصرى القديم كان مخلصًا لبيته وكان من صفات المصريين القدماء احترام الأمهات وتبجيل الأم فى الأسرة الكبيرة والاهتمام باحتياجات النساء، فإحدى البرديات المصرية القديمة تدعو إلى الحبك «حب زوجتك فى إخلاصك لبيتك كما هو واجب عليك، أطعمها واكسها، اسع إلى ما يدخل السرور إلى نفسها طالما أنت على قيد الحياة».

وكان الزوج يقوم بتوفير متطلبات زوجته حتى فى حالة انفصالها عنه وكان الزواج يتم من خلال عقد يتضمن للزوجة حقوقها، بالإضافة لذلك فقد وجدت برديات لحكماء احتوت على مئات الحكم والأمثال الخاصة بالأم، وكذلك نصائح الملوك لأبنائهم وتشهد آثار مصر القديمة بلوحاتها ونقوشها على هذه المكانة المتميزة للمرأة عمومًا وللأم خصوصًا، حيث تخيل الفراعنة السماء أما تلد الشمس كل صباح، بالإضافة إلى أن عددًا كبيرًا من آلهة الفراعنة كانوا من الأمهات مثل إيزيس ونفتيس، ولقب قدماء المصريين الأم «ست بر» ومعناها ربة البيت.

أدام الله أمهاتنا، وأعاننا على طاعتهن ورعايتهن وبرهن، ورحم الله الأمهات الراحلات وأسكنهن فسيح جناته جزاء ما قدمت بمن تضحيات.