بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

ماذا تُعلمنا ثورة 1919؟

يوافق اليوم ذكرى ثورة 1919، الثورة الأعظم فى تاريخ المصريين الحديث، والتى غيرت وجه الأمة المصرية تماما، وأسست لقيم الوطنية الخالدة لأكثر من قرن من الزمان.

ونحن عندما نُسمى الثورة بأعظم ثورات المصريين، فإننا لا نجانب الحق، ولا نبالغ فى ذلك، لأنها بالفعل هى الثورة الوحيدة التى تفجرت ضد عدو أجنبى محتل، وليس ضد حاكم يراه البعض مستبدا ويراه آخرون غير ذلك. كما أنها الثورة الوحيدة فى تاريخنا القديم والحديث التى لم يتخلف عنها فصيل واحد فى المجتمع من فلاحين، عمال، طلبة، موظفين، تجار، حرفيين، أصحاب أراضٍ، وأعيان.

كذلك، فإن آثار الثورة لم تقتصر على بضع سنوات تالية الأيام فقط، وإنما امتدت لعقود طويلة وأثرت فى أجيال وأجيال. ولم تقتصر آثار الثورة على مضمار السياسة وحده، وإنما امتدت إلى مجالات الفن والثقافة والإبداع والفكر وكافة نواحى المجتمع الأخرى.

والأهم فى نظرى فهو أن ثورة 1919 كانت ميلادا حقيقيا لمبدأ الوحدة الوطنية بمفهومه الشامل، الذى يتجاوز الوحدة بين المسلم والقبطى، إلى الوحدة الوطنية بين القاهرى، والصعيدى، وبين الغنى والفقير، وبين صاحب العمل، والعامل.

إننا نسترجع ما شهدته مصر خلال الثورة العظيمة، من غليان شعبى، واضطرابات عنيفة، ومظاهرات صاخبة، ومقاومة جريئة لبطش الاحتلال البريطانى، لنستخلص منها دروس التاريخ العظيمة والراسخة أبد الدهر.

إن أول هذه الدروس فى ظنى هو أن المصريين قد يختلفون معا فى التصورات الاقتصادية، ورؤى الاصلاح، وأولويات التنمية، لكنهم يتفقون جميعا على ضرورة الاصطفاف الوطنى عند مجابهة أى خطر خارجى أو عدو غاصب. وهنا يلزم القول بأنه مهما وصفهم الرحالة والأجانب بالصبر، والحلم، ومهما أفاض الزائرون والمراقبون الآخرون عن صفات الصلابة والاحتمال فى المصريين، فإنهم لا يقبلون الضيم، ولا يترددون لحظة لمواجهة الباطشين بالقوة متى لزم الأمر.

ثانى الدروس المهمة، هو أن أى تحرك وطنى عظيم يحتاج إلى قائد استثنائى، شجاع، ناضج، متواضع، نزيه، ولديه استعداد دائم لتحمل المسئولية وخوض غمار الخطر فى أصعب الظروف. وهنا نقول بأن سعد باشا زغلول كان بمثابة شخصية استثنائية نادرة قادرة على الجمع بين الهيبة والمحبة، والرفعة والتواضع، والعقلانية والحماس فى آن واحد.

ونتعلم أيضا أن الثورة لابد أن تمتلك خطابا سياسيا واضحا ومعلنا، لأن غياب الأهداف المحددة قد يؤدى فى بعض الأحيان إلى عواقب وخيمة.

كذلك، فإن علينا الايمان بأن الثورة لا تجنى ثمارها دفعة واحدة، وإنما هى تحقق إنجازاتها خطوة خطوة، فيأتى الاستقلال الرسمى فى تصريح فبراير 1922، ثُم يتم وضع الدستور فى العام التالى، ثم تجرى الانتخابات النزيهة لتولد أول حكومة للشعب يترأسها قائد الثورة نفسه، ثم تبدأ بعد ذلك عملية الاصلاح والبناء المؤسسى والحصول على الاستقلال التام شيئا فشيئا.

إن درسا آخر مهما يتمثل فى ضرورة مشاركة المرأة فى العمل الوطنى، باعتبارها عنصرا أصيلا ومُحركا ومشجعا للجماهير فى أى عمل من أجل الوطن. إن المرأة ليست كمًّا مُهملا ولا كائنا هامشيا، وإنما هى شريك أساسى للرجل فى كافة القضايا المصيرية، ولقد أثبتت خلال الثورة، وما تلاها من ملاحم وطنية عظيمة أنها تحمل القدر ذاته من الفدائية والشجاعة التى يحملها الرجال.

ثمة دروس أخرى عديدة، أهمها أن مصر قادرة دوما على تجاوز التحديات واللخظات العصيبة، وأنها تمتلك عقولا واعية، ونفوسا يقظة، وأرواحا تفيض بالفداء والإصرار.

وسلامإ على الأمة المصرية.