خارج السطر
نوافذ مفتوحة
ليس أطيب من كلمات كالعصافير تُحلق أينما شاءت، وكيفا شاءت دون حسابات مسبقة. أن تنفتح النوافذ ليسرى شعاع الشمس مُنيرا ومبشرا للإنسان بقيمة المعرفة وأثرها فى إسعاد البشرية وهدايتها.
يقول المهاتما غاندى «أنا على استعداد لفتح نوافذى لكافة الثقافات بشرط ألا تقتلعنى من جذوري.»
ومعارض الكتاب، وفعاليات الثقافة، ومنتديات الأدب هنا وهناك هى راية التحدى الحقيقية فى وجه طوفان القبح المتدفق حولنا. هى الرد الأقوى على بشاعة الحرب وضراوة الصراع بين الأمم، وهى الدليل الأمثل على قدرة الإنسان على فعل الخير وتذوق الجمال.
لقد كنت مدعوا قبل أيام للمشاركة فى معرض الشارقة الدولى للكتاب فى دورته الواحدة والأربعين فى دولة الإمارات العربية، وشهدت وشاهدت ألوان التفاعل المثمر بين مختلف الآداب فى العالم، وتابعت جلسات العصف الذهنى الرائعة لاستخلاص قيم التكاتف والتبادل الثقافى الفريد بين الشرق والغرب.
كان الشرق العربى حاضرا بقيمه، وأفكاره، وأطروحاته المتفقة مع التعلم من الماضي، والانتباه للحاضر، واستشراف المستقبل، كما كان الحوار منفتحا وجريئا مع الآخر حول التسامح والتكاتف من أجل صلاح الكون.
ولاشك أن ذلك كله يمثل اتساقا مع التوجه العام لإمارة الشارقة التى أقام الشيخ سلطان القاسمى مشروعها الحضارى مستندا على جعلها عاصمة للثقافة العربية، لإيمانه الراسخ بأن تاريخ الإنسان يكتبه الشعراء والمبدعون، وهو التاريخ الحقيقى القادر على الصمود فى وجه تحولات الأمم وتقلبات السياسة الدولية.
إن الابداع ليس طرحا ترفيهيا ولا محورا ترفيا فى مسيرة الإنسان الحديث، ولا ينبغى التعامل معه إلا باعتباره المشكاة الحقيقية لميلاد الأفكار الخلاقة وطرح المبادرات العظيمة لتغيير سلوك البشر وتحسين حيواتهم.
بدا معرض الشارقة لى مدهشا، ليس لأنها الزيارة الأولى له وإنما لذلك الحضور الكبير والمتنوع لأدباء ومبدعين من كافة دول العالم، لتنفتح محاورات مع بلدان لم نكن نعرف عنها أو عن آدابها شيئا مثل كوستاريكا، ليبيريا، كوبا، وإيرلندا، وغيرها. فضلا عن روائيين وكتاب من إيطاليا وأمريكا وألمانيا وإنجلترا ومن كافة الدول العربية. لقد امتاز المعرض بكونه سوقا كبيرا لشراء حقوق التأليف والنشر والترجمات بما يساهم فى إقامة تعاون حقيقى وبنّاء بين شعوب العالم.
ولاحت الاصدارات الجديدة بتنوعها وتحررها وعناوينها الجذابة، وأغلفتها الساحرة لتبعث فى النفس حماسا لمهنة تصور البعض أنها تنقرض وتنسحب وتتلاشى تحت مطارق التطور التكنولوجى المتسارع. إننى أزعم بكل ثقة أن كل كتاب جديد يمثل خطوة نحو التقدم، وكل قصيدة، وكل فيلم، وكل أغنية هى أسس العمران الحقيقية التى تنبنى عليها الأمم الحديثة.
وأعتقد أن مصر بطاقاتها الإبداعية المدهشة، وحضورها الدائم فى الذهن العربي، وتفاعلها مع تحديات الكون الكبرى، يُمكن أن تلعب دورًا عظيمًا فى التكامل مع أى مشروع ثقافى عربى يتطلع إلى بناء الإنسان، وتحسين مستوى وعيه.
والله أعلم.
mailto:[email protected]