صفحات من تاريخ الوطن (٢٧)
الغزو العثمانى بين التاريخ والأكاذيب (٣)
عزيزى القارئ وأستمر بلا ملل.. ما تناولته فى المقالات السابقة كان بعضاً من مقتطفات قليلة لجرائم العثمانيين، والتى يسعى البعض لتبريرها، تارة بظروف العصر، وتارة بالتشكيك فى دقة ابن إياس، أما عن ظروف العصر، فنعم كان العصر سمته القسوة والعنف، ولكن هناك فرقاً بين عنف العصر والمجازر والقتل الجماعى والنهب المنظم، وطمس معالم الحضارة، فهذه البشاعة لا تليق بجيش مسلم يدخل إلى دار الحرب، فما بالنا بدار الإسلام وأهلها.
أما عن دقة ابن إياس، فالرجل اجتهد أن ينقل كل ما عاشه هو والمصريون من أهوال ومظالم، ولو قلنا إن الرجل لم يدقق فى بعض الأحداث أو بالغ فى البعض الآخر، فمؤكدا أن كل هذا لا ينفى الإطار العام، والذى يظهر مدى وحشية العثمانيين، وجرائمهم فى حق المصريين.
كان للغزو العثمانى لمصر عام 1517م، نتائج كارثية على مصر وسكانها، ويمكن ايجازها باختصار على النحو التالى:
– فقدان الاستقلال السياسى: كانت مصر المملوكية مقر دولة ممتدة الأطراف تمتد من قبرص شاملاً إلى النوبة جنوباً ومن حدود العراق شرقاً إلى اقليم برقة غربا، بالإضافة إلى إشرافها على بلاد الحرمين، وهيمنتها التجارية على بلاد اليمن، ثم تحولت عقب الغزو العثمانى إلى مجرد ولاية سياسية كغيرها من ولايات الدولة العثمانية.
– التدهور الحضارى: عقب سقوط بغداد، وتدمير المغول لمظاهر الحضارة بها وببلاد الشام أيضاً، أخذت القاهرة على عاتقها جمع أشلاء هذا التراث المغدور، فنشطت حركة التأليف، والإبداع العلمى، فظهرت الموسوعات الأدبية والتاريخية الضخمة كنهاية الإرب للنويرى وصبح الأعشى للقلقشندى ومؤلفات المقريزى والسخاوى وابن خلدون، وكذلك تصنيفات الحديث والفقه، كفتح البارى لابن حجر العسقلانى وعمدة القارئ للعينى، ومؤلفات السيوطى، وذلك كله بتشجيع حكام دولة المماليك، كما نشطت حركة البناء والعمران الباهرة، التى ما زالت تفتخر بها القاهرة وسائر أنحاء مصر إلى يومنا هذا، أما فى العصر العثمانى فقد ضعفت الحركة العلمية والعمرانية إلى أدنى درجة، حيث تحولت مصر إلى طرف من اطراف الدولة، وليست المركز كما كانت.
– التآكل الاقتصادى: كانت مصر هى الوسيط التجارى الأول فى العالم خلال معظم عصر المماليك، كما ازدهر النشاط الزراعى بها، وكان كل هذا العائد يعود إلى مصر حتى لو من خلال الطبقة الحاكمة المملوكية ومشاريعها، أما فى العصر العثمانى فقد ضعفت حركة الاقتصاد المصرى، وحتى الاموال التى كانت تجنى منها كان معظمها يذهب كجزية للباب العالى أو رشاوى له أو يختلسها الولاة المعينون من قبله.
وأخيراً عزيزى القارئ.
هل أيقنت أن الغزو العثمانى لمصر كان شرًا مستطيرًا؟ هل أيقنت أن الغزو العثمانى حول مصر من دولة قوية، إلى ولاية تابعة؟ هل أيقنت أن الغزو العثمانى قد حول مصر من أيقونة للحضارة إلى مثال للجهل والانحطاط، فضلاً عن معاناة المصريين من عنف وإرهاب العثمانيين؟.
عزيزى القارئ.. على أى حال هذه هى حقائق التاريخ التى تنطق بها المصادر، ويحاول العثمانيون الجدد إخفاءها.
عضو مجلس الشيوخ
عن تنسيقية شباب الأحزاب
والسياسيين عن حزب التجمع