صفحات من تاريخ الوطن (٢٢)
حمدين صباحى.. للعلم والإحاطة
سادت حالة من التفاؤل والفرحة بين أبناء الشعب المصرى بكافة طوائفه وانتماءاته السياسية بالحوار الوطنى الذى دعا اليه الرئيس عبدالفتاح السيسى، فالجميع أيقن أننا بالفعل ندخل الجمهورية الجديدة بآفاق مختلفة وعلاقة مغايرة لم نعتد عليها من نظم الحكم السابقة، فالرئيس يدعو بنفسه الكل للمشاركة، وكما أشار فإن الحوار فى هذه المرحلة ضرورة للاتفاق على أولويات العمل الوطنى.
إذن فالحوار الوطني هو فرصة لكل الأطراف المشاركة لتبادل الآراء والافكار حول مجموعة من القضايا الوطنية المشتركة، وتهدف فى النهاية إلى تغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية والخروج بنتائج وتوصيات تساهم فى حل كثير من المشكلات التى تواجهها البلاد.
الحوار الوطنى بداهة لابد أن ينطلق من أرضية مشتركة محورها الأساسى هو الإيمان اولًا بالوطن، ومن هنا جاءت تصريحات السيد حمدين صباحى بشأن إمكانية قبول مشاركة الإخوان (الإرهابيين) فى الحوار الوطنى مثيرة للتعجب وللضحك وبمثابة خروج عن النص، وتشير إلى أن الرجل فقد بوصلة الفعل السياسى الذى يمارسه منذ سبعينيات القرن الماضى، وهذه التصريحات لا تعكس فقط سذاجته السياسية، وإنما الأخطر انها تكشف جهله الشديد بأيديولوجية جماعة الإخوان.
فقد غفل السيد حمدين ان من انتصارات ثورة 30 يونيو المجيدة النجاح فى الإجهاز على شرعية الإخوان السياسية والمجتمعية، فأسقطت القناع عنهم وكشفت سرائر قلوبهم ورغبتهم الشديدة فى السيطرة على المجتمع حتى لو كان ذلك عن طريق العنف وتحطيم أوصاله ونشر الفتن داخله ليطبقوا القاعدة القديمة «الإمارة ولو على كوم من الحجارة»، كما أظهرت نواياهم فى تفكيك كافة مؤسسات الدولة لصالح مشروعهم الخاص من خلال السعى لإقامة كيانات بديلة ولاؤها للجماعة فقط.
وهكذا تكون الجماعة قد تنازلت عن وطنيتها وقررت التمرد على الوطن وشركائهم فيه؛ معلنين بذلك خروجهم عنه واستقالتهم من الولاء له.. فكيف يمكن قبولهم بعد ذلك فى اى حوار يقوم على أساس الوطن وفى ظل بنية الدولة؟!.
قد يقول قائل إن الرجل قد اشترط للمشاركة فى الحوار ان يعترف الإخوان بالدستور وبشرعية نظام الرئيس عبدالفتاح السيسى وهذا عودة لحظيرة الوطن واعتراف ببنية الدولة.
وبعيدا عن أن لا الدستور ولا الرئيس فى حاجة إلى اعتراف الإخوان وهما محل إعتراف الشعب المصرى والمجتمع الدولى، إلا أن هذا الكلام يعكس حالة من الجهل الشديد بالبناء الايديولوجى والنفسى للإخوان، فالإخوان ليسوا مجرد فصيل سياسى يسعى للحكم فقط، وإنما يغلفون هذا الهدف بغلاف دينى متطرف جعلهم يختزلون الاسلام فى جماعتهم واصبحت ادبياتهم تعبر عنهم كجماعة المسلمين وليسوا كجماعة من المسلمين تسعى للحكم، ولذلك فإن أى هجوم عليهم يعتبرونه هجومًا على الاسلام ذاته، ولذلك فإنهم اعتبروا خروج المصريين على حكمهم الفاشل هو خروج على الاسلام وحكم الله كما تجلى ذلك فى خطابهم العلنى والسرى منذ الثالث من يوليو، وكما تجلى فى عمليات العنف والارهاب التى قاموا بها والتى تصدت لها القوات المسلحة وجهاز الشرطة وكافة اجهزة الدولة، والتى نتج عنها دخول جماعة الإخوان فى حالة من الضعف الشديد والتآكل الداخلى، ومن ثم فإن أى مفاوضات معهم ستكون فرصة لهم لالتقاط الأنفاس وتنظيم القوة والعودة من جديد حتى ينتقموا من المصريين الذين خرجوا على حكمهم الربانى.
والتاريخ يمنحنا الكثير من الأمثلة عن ذهنية الجماعة وتفكيرها، فعندما أفرج الرئيس عبدالناصر عن سيد قطب عام 1964 ومن قبله بعض أعضاء الجماعة، لم يترددوا فى تشكيل تنظيم 1965 والذى كان هدفه الاساسى الانتقام من مصر بشقيها الرسمى والشعبى؛ فعملوا على التخطيط لاغتيال الرئيس عبدالناصر وكافة قيادات الدولة وايضا تفجير القناطر الخيرية ومحطات المياه والكهرباء، كما أنهم ردوا الجميل للرئيس السادات بعد إفراجه عنهم بأنهم دعموا وساندوا صالح سرية فى عملية الفنية العسكرية عام 1974م، كما أن دورهم فى قتله حتى الآن محل جدل بين الباحثين، فالإخوان تيار انتقامى يتعامل بعقلية اللصوص ومطاريد الجبل الذين لا يعرفون إلا لغة الثأر.
وما لا يدركه السيد حمدين أيضا ان شباب الجماعة الآن يعانون من التشرذم والضعف وتحطم وانهيار الكثير من الثوابت والأحلام التى عاشوا فى ظلهم طوال اعمارهم الماضية وهذا جعل الكثيرين منهم يعيدون التفكير فى جدوى انتمائهم لهذه الجماعة، ففى حالة العرض على الجماعة المشاركة فى الحوار الوطنى ورفض الجماعة لهذه المشاركة أو قبوله بشروط أو ايا كان موقفها سوف يساهم ذلك فى عودة الحياة لقواعدها وخصوصا القواعد الشبابية منهم حيث سيشعرون بقوة الجماعة وبضعف الدولة والمجتمع، ولذلك تسعى الدولة لخطب ودها، مما سوف يساهم ذلك فى عودة القوة لهذه الجماعة بشراسة وعنف وقسوة غير مسبوقة، وسوف يضيع على الكثير من شبابها فرصة الافلات من بين براثنها.
صفوة القول إن اى حوار وطنى سوف يشارك فيه الإخوان لن يستفد منه سوى الإخوان فسيكون قبلة الحياة لهم كتنظيم وسوف يعيد لهم شرعية سياسية ومجتمعية قد جردتهم منها ثورة 30 يونيو،كما سيكون البداية لموجة انتقامية عنيفة منهم ضد المصريين...فهل هذا ما يريده الأستاذ حمدين؟ ولماذا؟ هل تبرع مجانى ناتج عن سذاجة سياسية؟ أم هناك أسباب أخرى فى الكواليس لا نعلمها؟!
---
عضو مجلس الشيوخ
عن تنسيقية شباب الأحزاب
والسياسيين عن حزب التجمع.