شيخوخة سياسية
مضى اكثر من عام على تولى جوزيف بايدن سدة حكم الإمبراطورية الأكبر على البسيطة، فماذا يا ترى حدث لأمريكا والعالم بعدما أسرف الشيخ على نفسه وأغدق بوعوده البراقة على الناخبين المتلهفين، لبداية جديدة على المستويين الداخلى والخارج، فتعهد بعرض رؤية اقتصادية شاملة وجريئة للمستقبل لكيفية الاستثمار فى تحديث البنية التحتية، لاستعادة البناء بشكل أفضل للشعب الأمريكى من خلال خطة خضراء ضخمة تهدف للحفاظ على البيئة ستتكلف تريليونى دولار، وتعهد أيضًا بإعادة تشكيل التحالفات الأمريكية القائمة منذ فترة طويلة، وإعادة تحديد العلاقات مع الخصوم البارزين، بعد اضطرابات عديدة شهدتها فترة ادارة ترامب السابقة.
لكن جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن، فقد تورط فى انسحاب فوضوى مذل أمام اشباح طالبان لا تزال آثاره الكارثية ماثلة للعيان، وفقد حلفاءه الإقليميين الواحد تلو الآخر، بدعوى انتهاك قيم حقوق الانسان ورضخ مرغمًا للعودة إلى الاتفاق النووى المهين الذى سيمنح إيران نفوذًا هائلًا فى إقليم الشرق الأوسط المضطرب، الذى ربما سيشهد صراع تكسير عظام بعد الخروج الأمريكى الكامل من المنطقة التى ستشهد لا محالة فراغا استراتيجيا مرعبا سيجعل الجميع يتحسس زناد مسدسه وأخيرًا وليس آخرا دفع بوتين رجل «الكى جى بي» السابق دفعًا لمغامرة غير مأمونة العواقب فى أوكرانيا والتى يدفع العالم أجمع الآن فاتورتها الباهظة وهو مازال مثقلا بتداعيات وباء كورونا المدمر.
فمع عودة عجلة الاقتصاد للتعافى والدوران من بعد اغلاقات جائحة كورونا، ظهر ضغط كبير على الطلب، وسط مشاكل كبيرة فى سلاسل الإمداد والتوريد، حيث لا تتوافر المنتجات والمواد الخام اللازمة للصناعة والاستهلاك ولا يتم تأمينها بشكل سريع وسلس، وذلك سبب تأخير فى التصنيع، وبالتالى عجز عن تلبية الطلب بسبب التوقف طيلة عامى الجائحة الماضيين، صاحبه ارتفاع فى كلفة النقل، ما أدى إلى غلاء أسعار البنزين والمحروقات عامة،
وبالتالى استمر الارتفاع المطرد فى أسعار السلع الغذائية والطاقية، ثم زادت الحرب الروسية على أوكرانيا الطين بلة، بعدما شنت أمريكا والغرب على روسيا حربا تجارية شعواء بفرض حزمة عقوبات اقتصادية غير مسبوقة، لكن ارتدت تداعياتها السلبية عليهم، فقد عانت أمريكا من معدلات تضخمية قياسية منذ عقود، فوفقًا لمؤشر اسعار المستهلك الصادر عن وزارة العمل الأمريكية قبل أيام، فقد ارتفعت الاسعار بنسبة 8.5 بالمائة على مدى عام واحد، و1.2 بالمائة على مدى شهر واحد فقط فى مارس الماضى، بعدما زاد بنسبة 0.8 بالمائة فى فبراير، وهو ما يظهر تعاظم التأثير السلبى للحرب الأوكرانية فى هذا المضمار.
فأسعار الوقود وحدها ارتفعت خلال شهر مارس، بنسبة 18.3 بالمائة مقارنة بشهر فبراير، وتمثل بذلك أكثر من نصف حجم التضخم، وأن أسعار السكن والغذاء ساهمت كذلك فى ارتفاع معدلات التضخم.
وهذا الوضع المتأزم يدفع للتخوف من ارتفاعات أكبر فى نسب التضخم، ما سوف ينعكس سلبا وبشكل حاد على تكلفة المعيشة، خاصة وأن الارتفاع فى الأجور والرواتب هو أقل من ارتفاع مستويات التضخم، ما سيثقل كاهل المواطنين الأمريكيين بأعباء معيشية مخيفة يقينًا، كل هذا التخبط الساذج فى السياسات الداخلية والخارجية، سوف يؤدى إلى حنين المواطن الامريكى لأيام ترامب الخوالى، الذى ينتظر فى منتجعه الفخم على احر من الجمر ميعاد الانتخابات الرئاسية القادمة، التى سوف تؤدى نتيجتها لشرخ كبير وانقسام حاد فى المجتمع الامريكى الهش.