بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

أنا العارى ودعواتك تسترني

 

 

فى عيد الأم أتذكر دائماً والدتي، وأتذكر معها كل أم، أو بمعنى أدق قل كل أنثى حباها الله بنعمة عاطفة الأمومة، فهذا الإحساس ليس مقصوراً على من حملت وولدت، بل هناك نماذج لم تتزوج ومنهن أيضا من تزوج ولم يرزقن بذرية، ولكن كنّ مثالاً رائعاً للأمومة أو قل بالمعنى العامى «ينضرب بها المثل»، وكثيرا ما نقرأ عن بعض من تلك النماذج ونشعر بغيرة شديدة من تلك الطبيعة الإنسانية «الأم ايًا كانت» التى حباها الله تلك المشاعر النبيلة النادرة.

ودائما وأنا صغير كنت أسمع عبارة «تسلم البطن اللى جابت وتسلم الأم اللى ربت» كنت دائما أتساءل أليست البطن «اللى جابت» هى نفسها الأم «اللى ربت»، كنت أجد الإجابة وقتها عبارة عن ابتسامة على وجه أمى بدلاً من الكلمات، وكانت تقول لى «لما تكبر هتعرف»، وعندما كبرت وقرأت، عرفت أن هناك نماذج كثيرة لأمهات لم يرزقن الذرية، بل كن مثالا لأمهات أمينات على أبناء غيرهن من نساء أخريات، فكان الأبناء يذكرونهن بأمهاتهم، وهم يعلمون بأنهن ليس بأمهاتهن اللائى ولدتهم، ومعظمنا أيضًا ربما عايش جدات أخذن أبناء بناتهن اللاتى توفيا مبكراً أو تعرضن لأحداث فرقت بينهن وبين أبنائهن أيًا كانت، لتقوم الجدات بتربية أحفادهن وأنت صغير لا تعرف أنها جدته، بل تظن أنها أمه، حتى تستطيع أن تستوعب أنها جدته وليست أمه، فالأمومة ليست بطنا فقط ينجب، بل أيضا مدرسة تربي.

فى أواخر أيام والدتى كنت قريباً منها للغاية فكنت أنام فى الصباح على كنبة مقابلة لغرفتها، حيث كانت أخوتى يقنمن برعايتها صباحاً، بينما كنت أسهر ليلا بجوارها، ونعلم جميعا أن موعد مغادرتها لعالمنا قد اقترب، فكنت أقول لنفسى ولمن يحيطون بى دعونا نقترب منها هذه الأيام، حتى لا نندم على وقت مضى بعد مغادرتها دون أن نكون بجوارها، وأتذكر يوم وفاتها بأننى ذهبت إلى عملي، وفور وصولى الجريدة جاء لى خبر مغادرتها لعالمنا، فأسرعت إلى المنزل، ووقفت أمام جثمانها أتأمل تلك الملامح التى لن أراها مرة أخري، وكانت فى فجر هذا اليوم قد أفاقت من بعض غيبوبتها لتهمس ببعض الكلمات فاقتربت منها لعلها تريد شيئاً، فأسمعها تدعو لى بصوت همس ضعيف واهن جداً، نظرت إلى جثمانها وقد توقف تماماً، أتأملها وشريط حياتى معاها يمر من أمامي.

 كنت متماسكاً جداً حتى أن البعض استغرب من شدة تماسكي، فكنت أقول لهم لأن مهمتى الآن هى أن أكرم جسدها لا أن انتحب، فالوقت ليس للبكاء بل وقت الإكرام لها، انتهيت من مراسم إكرامها، وبعد مغادرتها عالمنا بثلاثة أيام اشتقت إليها، فقلت مناجيا إياها «يا أمى أنا الآن أصبحت عاريا فى الدنيا ولكن دعواتك هى من تسترنى فرحمة من الله على روحك» ورحمة من الله على أرواح جميع الأمهات سواء من ولدن أو من لم يرزقهن الله بأبناء أو من لم يتزوجن بل كن أمهات أمينات على ما استأمنهن الله عليه، فأدين الأمانة وأخرجن لنا نماذج هى فصوص من الماس توضع على تاج من ذهب فوق رؤوسهن، فهن بحق ملكات هذا العالم.

[email protected]