التحول الرقمى.. نحو عالمية جديدة
فى الماضى القريب، كنا نتعجب ويأخذنا الاندهاش، عندما نرى أحدا يتحدث عن كيفية التحول الرقمى، وأنه لا يمكن بحال من الأحوال الاستغناء عن مثلا مكتباتنا وكتبنا الورقية، وأنه أيضا لا يمكننا الاستغناء عن هواتفنا المنزلية، وعن البريد الورقى، «البوسطجي»، وعن كثير من الأشياء التى نستخدمها فى حياتنا، عن الامتحانات الورقية وعقد لجان امتحان من خلالها نقيم أداء طلابنا، وكذلك الأمر الاستعاضة عن حضور المحاضرات حضوريا، واستبدالها بتقنيات حديثة مثل استخدام تطبيقات معينة، كتطبيق الزووم، والويبيكس، والتليجرام، والواتس أب، والبث المباشر عن طريق الإنترنت.
كنا نندهش ونصاب بالوجوم، عندما كنا نشاهد ذلك فى بلاد الغرب وحديثهم المستمر عن ثورة اتصالات ومعلومات، قادمة لا محالة، ولابد أن يتنبه لها الجميع، حتى لا يصبح مغتربًا فى عالم جديد باتت سماواته مفتوحة، باتت تسيطر عليه التكنولوجيا والتقدم التقنى الحديث، بل وحذروا العالم الثالث والشعوب النامية، أنه لابد وحتما التعامل مع هذا التقدم، لمواكبة العصر ومتغيراته وتطوراته المتلاحقة، وكثير منا لم يولِ اهتماما وضرب عرض الحائط بهذه التحذيرات، ظنا منا أننا بذلك نحافظ على هويتنا الثقافية، ونحافظ على أصالتنا، وعلى موروثنا الحضارى.
لكن ثم سؤال يطرح نفسه، هل المواكبة والحداثة والمعاصرة، تحول بيننا وبين الحفاظ على هويتنا؟!
الرأى عندى، التقوقع والتمركز حول ما نطلق عليه تراثنا، لا يحافظ عليه ولا يحافظ على قيمنا وثوابتنا، ولكن بالمواكبة والمعاصرة والانفتاح على الآخر، والدخول فى تواصل مع الآخر أيا كان معتقده ومذهبه ودينه هو الذى يثرى حياتنا ويكسبها الحركية والديناميكية.
إذن أضحت حاجتنا ملحة للتعامل مع الآخر دونما خوف وتخوف منه، مع الأخذ فى الاعتبار الحذر والحيطة. فلا مندوحة من أخذ التقدم التقنى فى مجالات الطب والصيدلة، والهندسة، والفلك والكيمياء والعلوم الطبيعية، بل وإرسال البعثات للتعلم فى بلاد الغرب، ونقل التكنولوجيا المفيدة، ومنها عالم البرمجيات، وابتكار برامج جديدة تفيدنا مثلا فى تصنيف الكتب والمكتبات، مع الأخذ فى الاعتبار عدم الاستغناء عن الكتاب الورقى وهذا من وجهة نظرى حفاظ على أصالتنا، وفى نفس الوقت نعاصر كل ما هو جديد.
الموضوع جد مهم نحن الآن على أعتاب عالمية جديدة يسودها فكر جديد، عالم الرقم أساسه ومكون أصيل فيه، فلابد بل وحتما التعامل مع هذا الواقع الجديد وتفهمه ودرسه درسا مفيدا، ولا ننظر إليه بعين اللامبالاة، فالذى يجهل لغة الرقم ولغة العصر ولغات الإنترنت فليبادر بالتعلم، فليس عيبا أن نتعلم وإنما العيب أن يكون العالم فى ناحية ونحن فى ناحية أخرى، نحن الآن على أعتاب وجودية جديدة، شعارها نكون أو لا نكون، لكن متى نكون إذا أردنا ان نكون، ومتى لا نكون إذا تمركزنا وتقوقعنا حول أنفسنا، فلا يزكى النفس ولا يطيبها إلا التعامل مع الآخر.
عندما ضربت العالم هذه الجائحة، كورونا ونحن فى البلاد النامية، توقفنا وتوقفت مصالحنا، لماذا؟! لأننا لم نكن على دراية ولا استبصار بالرقمنة والتكنولوجيا الحديثة، لكن لما باتت حاجتنا ملحة للتعامل مع هذا الواقع لجأنا إلى من يعلمنا وبدأت الدورات فى تعلم تقنيات البرمجيات، ودورات عقدت فى كليات الحاسبات، عن كيفية استخدام الإنترنت، وكيف ندير محاضرة أو لقاءً علميًا، أو مناقشة رسالة علمية عن طريق الاون لاين وغيرها.
حقا كانت المسألة صعبة فى أولها لكن بكثير من الجهد تعلمنا، وإلا ماذا سيكون العمل لو توقفنا ستتوقف حياتنا وأشغالنا، أدرنا مجالس أقسام عن طريق الزووم والواتس آب.
نحن الآن على أعتاب عصر جديد إذا لم نواكبه ونقول كلمتنا، فلا نلوم إلا أنفسنا، مع الأخذ فى الاعتبار تضافر كل الجهود وتوفير الإمكانيات اللازمة لتحقيق هذه المعادلة، التى أعتقد أن رموزها ليست مبهمة، بل لدينا علماء أكفاء فى كل المجالات، يستطيعون ونستطيع من خلالهم المواكبة والمعاصرة، شريطة إمدادهم بالدعم المادى، والدعم المعنوى.