رؤى
يُسقط الذنوب وليس الحقوق
قيل لنا إن الحج فريضة لمن استطاع، بمعنى أن الله عز وجل علّقها على القدرة، والقدرة قصد بها القدرة البدنية: تحمل مشقة الرحلة، والقدرة المادية: تكلفة الرحلة، وفى زماننا الحالى غلبت المادية عن الجسدية، فنفقات الحج والعمرة أصبحت تقدر بآلاف الجنيهات، هذا بخلاف نفقات الإقامة، الطعام والشراب والانتقالات، وهو ما يعنى أنها متاحة فقط للقادرين ماديا وليست متاحة لجميع المسلمين، ويعنى كذلك أن القادرين ماديا هم وحدهم الذين تتاح لهم فرصة إسقاط (حسب ما تعلمنا) الخطايا والذنوب التى وقعوا فيها بحق الله عز وجل، وهو ما يدفعنا للتساؤل: وماذا عن سائر المسلمين؟، وماذا عن الفقراء وغير القادرين؟، وهل بالفعل ما تربينا عليه صغارا بأن أداء فريضة الحج أو العمرة تسقط ما سبق من ذنوب؟، هل هذه الرحلة تطهر المسلم من ذنوبه التى يحملها على ظهره طوال سنوات عمره؟.
هذه الحكايات مردها حديث رواه أبوهريرة، قال فيه: «سمعت النبى (صلى الله عليه وسلم) يقول: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه». الحديث ذكره البخارى، ومسلم، والترمذى، والنسائى، وابن ماجه، والدارمى، وأحمد، وابن خزيمة، وابن حبان، والدارقطنى، والبيهقى، وغيرهم (نحو 80 مصدرا).
البعض يرى أنه يسقط جميع الذنوب، الكبيرة والصغيرة، والحاج يرتد إلى يوم مولده، صفحة بيضاء بدون ذنوب، وأنه لن يعاقب على ما سبق ووقع فيه قبل أداء الفريضة، لكن البعض الآخر يرى أنه يغفر الذنب ولا يسقط الحق، فالحج كالتوبة فى تكفير الكبائر، سواء تعلقت بحقوق الله أو بحقوق العباد أو لم تتعلق بحق أحد، أعنى لم يترتب عليها واجب آخر كشرب الخمر ونحوه، فيكفِّر الحج الذنب ويبقى حق الله -تعالى- وحق العبد فى ذمته، إن كان ذنبًا يترتب عليه حق الله أو حق العبد، وإلا فلا يبقى عليه شىء.
قال «اللقانى» فى شرحه الكبير على (جوهرة التوحيد): «إن من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، أى سقط عنه إثم مخالفة الله تعالى، ولا يتناول ذلك حقوق الله وحقوق العباد لأنها فى الذمة وليست ذنوبًا، وإنما الذنب المَطل فى الحق فيتوقف على إسقاط صاحبه».
ونقل «القسطلانى» عن «الترمذى» أن الحقوق نفسها لا تسقط بالحج، فمن كان عليه صلاة أو كفارة ونحوها من حقوق الله تعالى لا تسقط عنه بالحج لأنها حقوق لا ذنوب وإنما الذنب تأخيرها، فالتأخير يسقط بالحج لا هى أنفسها، ولو أخرها بعد الحج تجدد إثم آخر، بمعنى أن الحج يُسقط إثم المخالفة لا الحقوق.