رؤى
أَعطَى الأقليات الحرية الدينية
القسوة التى تعامل بها حكام الباب العالى فى إسطنبول هى التى دفعت الشوام إلى الترحيب بإبراهيم باشا ابن محمد على الكبير، وقيامهم بمده بالمؤن والذخيرة، وتشكيل جيش لمساندته، والمخطوط الذى عثر عليه فى القصر البطريركى فى بكركى، وقام بتحقيقها ونشرها د.أسد رستم أكدت هذا وأوضحتها بشكل مفصل.
فى عام 1832 خروج أهالى حلب عن طاعة السردار حسين باشا والسلطان محمود الثانى، كان السردار حسين باشا خارجاً بالجيش من إنطاكية وطالبا حماة وحمص، بلغته أخبار معركة حمص وانكسار قواده وجيوشه، فجمع ما تشتت منهم ورجع إلى حلب، وعند وصوله إليها عقد مجلساً مع الأعيان والعلماء، وطلب منهم أن يمدوه بالذخائر والعدد ويقدموا له العساكر من أبناء البلد، فلم يوافقوه على ذلك فقام إلى بيلانو الإسكندرونة، وعندما بلغ أهالى حلب خبر قدوم إبراهيم باشا ابن محمد على باشا استقبلوه بالترحيب والتفخيم وادخلوه إلى بلدهم بموكب عظيم، قبل ظهور المخطوط فسر المؤرخون رفض أهالى حلب بميلهم إلى إبراهيم، ولضعف المودة بينهم وبين الباب العالى، لكن بعد ظهور المخطوط اتضح أن الحلبيين الانكشاريين ربما توجسوا من حسين باشا ومن مطالبيه خوفاً، لأنه كان قد قضى على أوجاقهم فى الاستانة وفى سائر المدن المهمة سنة 1826، وأنهم ربما استأمنوا إلى إبراهيم باشا المصرى، لأنه واثقهم على الأمان ووعدهم بإرجاع أوجاقهم وسائر امتيازاتهم القديمة التى كانت قد أبطلت بين 1826 و1831.
وقد كان من أكبر أسباب نجاح الجيش المصرى وسرعة انتصاراته كما سبق وأشرنا ضمان تموينه، ولما كانت المسافة بين مصر والبلاد التى ينوى فتحها بعيدة، والمواصلات صعبة وخطرة، خصص الأمير بشير مدينة زحلة الواقعة فى السفح الشرقى من لبنان على مدخل سهول البقاع وسوريا، لتكون مستودعا للجيش المصرى، فكانت الذخائر والمؤن تنقل تحت قيادة الأمير قاسم.
وأكبر خدمة قدمها الأمير بشير واللبنانيون للحملة المصرية قيامهم بحفظ الأمن فى البلاد المغلوبة وجباية الأموال الأميرية وإخماد الفتن والثورات، وكان مسيحيو لبنان وأغلبهم موارنة الموالين الوحيدين لإبراهيم باشا والقوة الوحيدة التى أمكنه أن يعتمد عليها فى سوريا. فكلفهم هذه المهمة، واضطروا أن يقاوموا وحدهم كل العناصر السورية، حتى دروز لبنان الذين انضم منهم ثلاثة آلاف إلى الجيش العثمانى لمحاربة الأمير بشير والمصريين.
وقد منح إبراهيم باشا بعد دخوله لبنان المسيحيين الحرية الدينية وساواهم مع بقية رعاياه فى الحقوق المدنية، وقربهم إليه وعهد إليهم بمهام الدولة ومصالحه الخاصة. وقد خدموه بإخلاص.