بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

رؤى

من خارج زجاجة

منذ أكثر من نصف قرن، ونحن نعيش داخل زجاجة، مرة نجلس فى قاعها، ومرات نحشر فى عنقها، وبسبب طول المدة اعتدنا على الحياة داخل الزجاجة، وكل منا خطط لكيفية البقاء والتعايش داخل قاع أو عنق أو بطن الزجاجة، بعضنا عاش فى وسط الزجاجة، وبعضنا فضل الحياة على جانبى الزجاجة، والبعض الثالث عاش بالقرب من حافة الزجاجة.

عبر هذه السنوات كان يطالبوننا بالصبر، ويعدون خلال فترة قصيرة، قد تكون سنة أو خمس أو عشر سنوات، بالخروج من الزجاجة، ولأننا لا حول ولا قوة لنا، استسلمنا وصبرنا وجلسنا نراقب، ونترقب، ونحلم، قبل أن تنتهى الفترة فوجئنا بهم يلوموننا ويحملوننا مسئولية البقاء فى عنق، وقاع، وبطن الزجاجة: أنتم مجرد شعب كسول لا يحب العمل، وكل ما تفعلونه فى الدنيا هو الإنجاب، غرقتم البلد عيال، كل ما نصلح مكان يتفتح ألف مكان، وكل ما نطلع سنتيمتر فى الزجاجة تعيدوننا مرة أخرى، هنأكل الجرمأ ده كله منين، لا يقدر على القدرة إلا القادر، ابقوا داخل الزجاجة إلى أن يفرجها الله علينا وعليكم.

بعد فترة اكتشفنا أن من يطالبوننا ويتهموننا يعيشون هم والعديد من المقربين منهم خارج الزجاجة، وأنهم لم يدخلوا يوما أو لدقائق إلى الزجاجة، وأنهم يخاطبوننا، ويوجهوننا، ويحركوننا، وينظموننا، ويديروننا من خارج الزجاجة، وأنهم يتمتعون بحياتهم خارج الزجاجة، وأنهم يديروننا عبر وسائل تواصل، القائمون على الوسائل يعيشون هم أيضاً خارج الزجاجة، والوسائل تباع لنا داخل الزجاجة، من خلالها نتعرف على ما يطلب منا، ينقلون لنا ما يتلقونه.

البعض منا نجح بالفعل فى التسلل والخروج من الزجاجة، وتقرب ممن يديرون خارج الزجاجة، وبحمد الله تغيرت حياتهم وظروفهم وتحسنت جدا معيشتهم، وكثيرا ما يساعدون القائمون على الوسائل فى إرشادنا، وتوجيهنا، وتدجيننا، وإقناعنا بأن الصبر على الحياة داخل الزجاجة جزء من التلاحم، والاصطفاف، والمشاركة فى دفع الخطط التى ستعمل يوماً على خروجنا من الزجاجة، كما أنها حائط صد لمن يكرهوننا ويتربصون بنا.

بعضنا لم يفهم القسمة، واعتقد أنه يمكن تدوير وتداول الحياة، وقف بجانب فوهة الزجاجة وطالب بالمشاركة فى التدبير والتدبير، أضعف الإيمان بتحسين المعيشة داخل الزجاجة، التكرم ببعض مميزات من هم خارج الزجاجة، اتهم بالحقد، والكراهية، والإخلال بالنظام المعمول به داخل الزجاجة، وتشجيع البعض على كسر الزجاجة، فنزل إلى القاع، ونام وسبح بالحياة داخل الزجاجة.

[email protected]