بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

رؤى

قطار مطروح

بعد تخرجى من الجامعة فى بداية الثمانينيات، كان علينا أن نقدم ضريبة الدولة بتأدية الخدمة العسكرية، وكنت ضمن نحو 600 خريج تم ترحيلهم من مركز تجنيد مدينة طنطا إلى مركز تدريب يتبع مدينة الإسكندرية، وكان الشتاء قارصًا، بعد يوم من وصولنا إلى مركز التدريب، تقرر ترحيلنا إلى المنطقة الغربية بدون تدريب لحاجة المنطقة هناك إلى أفراد، فى الصباح الباكر اصطحبنا أحد الصولات إلى محطة القطار، لا أتذكر اسمها، ربما كانت كنج مريوط أو العامرية.

حضرة الصول أخبرنا بأن محطتنا هى مدينة العلمين، ويومها شعرت بسعادة بالغة، لأننى سوف أزور لأول مرة المدينة التى تضم رفات المئات من ضحايا الحرب العالمية، وفى القطار جلست بجوار الشباك، وكان فى الكرسى المواجه أحد المجندين، فى طريقه إلى وحدته بمرسى مطروح أو منطقة حباطة، حاولت بقدر الإمكان الاستمتاع بالرحلة رغم الإجهاد الذى أصبنا به لمدة عدة أيام النوم فى العراء تحت المطر، فتحت شباك القطار لكى أمتع عينى بالمناظر الخلابة، المجند المواجه لى قال لى لا توجد سوى الصحراء، الرمال الصفراء، والمشاهد مكررة، وأنت كده كده هتنزل مردوم بالرمل، وفتحك الشباك هيردم العربية كلها.

فى الطريق إلى مدينة العلمين توقف القطار أكثر من مرة، مرات فى محطات سكة حديد، وقيل لنا إنه ينتظر المقابل، فترات الانتظار تراوحت بين 30 و50 دقيقة، وفهمت بأن خط السكة الحديد فردى، يستخدمه القادم والذاهب لمطروح، وكل منهما ينتظر الآخر فى إحدى المحطات لكى لا يصطدما.

مرات أخرى كان القطار يتوقف فى الصحراء، وأخبرونا أن العواصف ردمت السكة الحديد بالرمال، والعمال سيقومون برفع الرمال من القضبان، بعدها يواصل القطار رحلته، بعد نحو 15 ساعة وربما أكثر وصلنا مدينة مرسى مطروح.

فى أول أجازة لى من الجيش ركبنا القطار من مطروح ووصلنا الإسكندرية بعد 24 ساعة، بسبب الانتظار، والرمال التى تردم الخط، وكان البرد قارصًا، معظم النوافذ محطمة، والإرهاق قد أصاب الجميع، وساد صمت رهيب فى العربة، لا فائدة من الشكوى أو الاحتجاج على سوء السكة الحديد.

قبل سنوات سمعت أن الحكومة قامت بازدواج الطريق الصحراوى، وظننت أنها قامت بالشيء نفسه لخط السكة الحديد، لكن للأسف فوجئت أن القطار مازال كما هو، ينتظر المقابل، ويرفع العمال الرمال من فوق القضبان، وينزل الركاب مردومين بالرمال.

[email protected]