حكاية وطن
معجزة العاشر من رمضان
ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، فى هذه الأيام من شهر رمضان المبارك كان أنور السادات بطل الحرب والسلام يراجع خطة حرب الكرامة التى خاضتها القوات المسلحة المصرية يوم العاشر من رمضان، الموافق السادس من أكتوبر عام 1973، هذه الحرب التى حطم فيها الجندى المصرى غرور الجيش الإسرائيلى غيرت الفكر العسكرى الحديث، وأصبحت عملية العبور مرجعاً أساسياً لكل الجيوش العالمية الحديثة.
ففى سبتمبر 1968 قررت مصر التحول إلى استراتيجية جديدة، والانتقال بالجبهة من مرحلة الصمود إلى مرحلة جديدة من المواجهة العسكرية، أطلق عليها مرحلة «الدفاع النشط» بهدف استنزاف القدرات العسكرية الإسرائيلية، إلى أن وقعت الحرب، وحطمت قواتنا المسلحة خط بارليف فى 6 ساعات، وعبرت إلى الضفة الأخرى من قناة السويس، وكانت حرب أكتوبر معركة أسلحة مشتركة استطاع خلالها سلاح المهندسين المصرى أن يلفت انتباه العالم بمعجزة العبور التى شملت فتح الثغرات فى الساتر الترابى بطريقة شديدة البساطة، وبناء الكبارى وعبور الدبابات والأسلحة الثقيلة.
قالت الصحافة العالمية حينها إن المصريين استطاعوا بناء الكبارى لعبور قناة السويس، وإن عملية العبور فيها كانت أكثر سلاسة منها فى شوارع القاهرة! ووصف المؤرخ البريطانى ادجار أبولانس عملية العبور بأنها كانت معجزة عسكرية مكتملة الأركان قامت بها القوات المسلحة المصرية للتأكيد على أن ما أخذ بالقوة لا يرد إلا بالقوة.. وكان لزاماً توفير سلاح متطور حديث مع تنظيم وتدريب القوات المسلحة بشكل جيد ومتواصل وتعبئة الجبهة الداخلية فى شتى المجالات من أجل معركة تحرير الأرض وإزالة آثار العدوان..
وقال صاحب كتاب «إسرائيل انتهاء الخرافة» آمون كابيليوك: «تقول الحكمة البريطانية كلما كان الصعود عالياً كان السقوط قاسياً وفى السادس من أكتوبر العاشر من رمضان سقطت إسرائيل من أعلى برج السكينة والاطمئنان الذى كانت قد شيدته لنفسها، وكانت الصدمة على مستوى الأوهام التى سبقتها قوية ومثيرة، وكأن الإسرائيليين قد أفاقوا من حلم طويل جميل لكى يروا قائمة طويلة من الأمور المسلم بها والمبادئ والأوهام والحقائق غير المتنازع عليها التى آمنوا بها سنوات عديدة، وقد اهتزت، بل تحطمت فى بعض الأحيان أمام حقيقة جديدة غير متوقعة، وغير مفهومة بالنسبة لغالبية الإسرائيليين». وكشف ناحوم جولدمان، رئيس الوكالة اليهودية الأسبق، فى كتابه «إلى أين تمضى إسرائيل».. أن من أهم نتائج حرب أكتوبر أنها وضعت حداً لأسطورة إسرائيل فى مواجهة العرب، وأحدثت تغيراً جذرياً فى الوضع الاقتصادى، ومن أهم النتائج الأكثر خطورة التى حدثت على الصعيد النفسى انتهاء ثقة إسرائيل فى تفوقها الدائم. وقال موشى ديان، وزير الدفاع الإسرائيلى: إن حرب أكتوبر كانت بمنزلة زلزال تعرضت له إسرائيل، ولم تملك القدرة الكافية لإعادة المصريين للخلف مرة أخرى.
سيظل نصر أكتوبر- رمضان ورجال القوات المسلحة المصرية مبعث اعتزاز وفخر، وستظل ذكريات وبطولات النصر تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل، توضح وتظهر عبقرية وشجاعة المقاتل المصرى الذى لقن الإسرائيليين درساً لن ينسوه فى فنون القتال والتخطيط والخداع الاستراتيجى.
تحية لكل شهداء مصر الأبرار من أبناء القوات المسلحة الذين ضحوا بأرواحهم الطاهرة ودمائهم الزكية فداء لمصر وحفاظاً على أمن أرضها واستقرار وسلامة شعبها. إننا نتذكر بطولات القوات المسلحة بمناسبة قرب الذكرى 48 لحرب العاشر من رمضان باعتبارهم مصنع الرجال، ودرع الأمة الواقية، سيف مصر القاطع الذى يبتر يد كل من تسول له نفسه محاولة العبث بأمن واستقرار الوطن.
لقد غيرت حرب أكتوبر الفكر العسكرى الحديث، وأصبحت أساساً لكل الجيوش العالمية الحديثة، تحية للشهيد أنور السادات الذى اغتالته يد الإرهاب الغاشم فى حادث المنصة يوم احتفاله بذكرى نصر أكتوبر وهو جالس بين أبنائه من القوات المسلحة، تحية لهذا البطل الذى حقق النصر والسلام مع إسرائيل من خلال زيارته التاريخية لإسرائيل يوم 19 نوفمبر 1977 بعد مرور 9 سنوات على حرب أكتوبر، وألقى خطاباً تاريخياً أمام الكنيست الإسرائيلى قائلاً للإسرائيليين:
«لقد جئت إليكم اليوم على قدمين ثابتتين، لكى نبنى حياة جديدة، لكى نقيم السلام» وبعد هذه الزيارة الناجحة تم توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» التى تم من خلالها استرداد أرض سيناء بعد انسحاب آخر جندى إسرائيلى منها، والتى تحتفل بعيد تحريرها يوم 25 أبريل الأسبوع المقبل.
إن ملحمة العاشر من رمضان حققها جيل عظيم من رجال القوات المسلحة ببطولاتهم وتضحياتهم من أجل إعلاء الإرادة المصرية واسترداد العزة الوطنية، وستظل ذكرى هذا اليوم مبعث اعتزاز المصريين بقواتهم المسلحة الذين يحملون أمانة الدفاع عن الوطن وحماية شعبه ومقدساته وصون أمنه القومى.