رؤى
بعقد الهاء
زمان تعلمنا فى قسم الحوادث أن الأولوية فى تغطية الحادثة للقصة أو للحدوتة، والمحرر الشاطر هو الذى يجمع أكبر قدر من المعلومات حتى لو كانت هامشية، وعندما يجلس للكتابة يتقمص شخصية الراوى، ويحاول جذب القارئ وجره خلفه من جملة إلى أخرى، ومن سطر إلى سطر حتى نهاية الحدوتة.
بعض الزملاء كان يعطى الأولوية لمصادره، ويستهل الحدوتة بأسماء الضباط، ابتداء من رئيس مباحث القسم ومعاونه، مرورًا بمعاون ومفتش المنطقة، ونائب ورئيس مباحث المديرية، وحتى مدير الأمن، إلى أن تنتهى عند مساعد الوزير والوزير شخصيًا. ولكى نوازن الأمور كنا نختصر أسماء الضباط والقيادات، ونوزعها على تفاصيل الحدوتة، صحيح بعضها شارك بجهد فى عملية الكشف أو الضبط، لكن كثرة الأسماء تخل بسياق الحكى، وتفقد الحدوتة إثارتها وتشوقها.
هذه التفاصيل، التى يعرفها معظم الزملاء فى أقسام الحوادث جيدًا، تعالوا نطبقها على حادثى السفينة والقطار فى القنوات الفضائية، للأسف الشديد لم تنتقل قناة واحدة، بما فيها قنوات ماسبيرو إلى الموقعين، حادث السفينة تناولته القنوات فى اليوم التالى، وحادث طهطا اعتمدت القنوات على الرسائل التليفونية وبعض الفيديوهات التى صورها الأهالى، ونقلت فقط انتقال رئيس الحكومة لموقع الحادث، وزيارته للمصابين، والمؤتمر الصحفى، زيارة النائب العام.
وكما كان بعض الزملاء يبدأ حدوتة بالأسماء، معظم القنوات تركت الحدوتة واهتمت فى تغطيتها بإظهار الدور الإيجابى للحكومة فى تعاملها مع حادث القطار، وسرعة وصول عربات الإسعاف، والانتقال السريع لقيادات الحكومة إلى موقع الحادث، وأشادت القنوات بما قدمته الحكومة من أموال وجهد لتطوير السكك الحديدية، والسؤال الذى كان يوجه لجميع الضيوف فى المداخلات التليفونية، كان عن رأيه فى تعامل الحكومة مع الحادث، والجهد الذى تقوم به وزارة النقل، والأموال المخصصة لتطوير منظومة لم يضرب فيها مفك واحد منذ أكثر من خمسين سنة.
مراسلو الفضائيات حدث ولا حرج، لم نخرج منهم بمعلومة توحد الله، وكانوا يكررون ما نشر بالمواقع الخبرية، ولم يقم واحد منهم بزيارة المستشفيات، وجمع معلومات تفصيلية عن المتوفين والمصابين، أعمارهم، وظائفهم، محافظاتهم، عدد السيدات والأطفال والشباب، نوعية الإصابة، وللإنصاف حاولت الإعلامية لميس الحديدى مع مراسليها وباءت محاولتها بالفشل.
الشىء نفسه تكرر فى تغطية حادث السفينة، المراسلون، وعلى ما أظن أغلبهم يعمل مراسلًا لصحيفة، كانوا ينقلون معلومات غير صحيحة، والطريف أن أغلبهم أشاد، مثل مراسلى حادث القطار، بقيادة الهيئة وبالكراكات، والله، بعقد الهاء، أشاد بالكراكات والقاطرة بركة.