بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

رؤى

مات من علمونا

لا أجيد كتابة الرثاء، عندما ماتت والدتى ومن بعدها شقيقى الأصغر منى، ومن بعد شقيقى الأصغر لم أكتب رثاء، وعندما توفى أساتذتنا مصطفى شردى وجمال بدوى وسعيد عبدالخالق لم أكتب رثاء، وبوفاة اخر الأساتذة الذين تعلمنا منهم عباس الطرابيلى، لن اكتب رثاء، لأن الرثاء اقرب للبكائية الإنشائية، وهذه الشخصيات قد نختلف معها أو نتفق لكنها فى النهاية تركت أشياء كثيرة فينا، تعلمنا منهم كيف نلتقط الخبر، وكيف نكتبه، كيف نكون ضميرًا للوطن، نتبنى هموم المواطن ومشاكله، لكل منهم ثقافته ومهارته، استقبلونا ونحن شباب قبل أكثر من ثلاثين سنة، بفضلهم وبجهدنا أصبحت جريدة الوفد من أكبر الصحف فى مصر، رفعت سقف المعارضة، وغيرت فى أشكال الكتابة الصحفية، تخطينا سقف الحريات الذى سمح به نظام الرئيس مبارك، دخلت الوفد معارك صحفية مع كبار المسئولين، وفجرت مئات القضايا، وانتظر القراء الوفد كل صباح، وسعوا إلى محرريها لكى يكشفوا عن وقائع فساد فى مصالحهم ودواوينهم.

أسماء معظم جيلنا المؤسس للوفد الاسبوعى واليومى، أصبحت كالعلم خلال أسابيع وأيام، وكان القراء يحضرون إلى مقر الجريدة فى حى المنيرة يسألون عن بعضنا بالاسم، ويأخذه على جنب ويخرج من بين ملابسه بعض المستندات، كان فخورًا بمشاركته فى محاربة الفساد دون الكشف عن اسمه.

الصحافة التى تعلمناها من أساتذتنا، شردى وبدوى وعبدالخالق والطرابيلى رحمة الله عليهم، وكتبناها ومارسناها ونشرناها أثرت فى كثير من الصحف والكثير من الزملاء النابهين فى المؤسسات الكبرى، وحاولوا بقدر المساحة المتاحة مسايرتنا وتقديم ما يتشابه وما نقدمه، بفضل من علمونا ورحلوا عنا ارتفع سقف المعارضة، وخرجت الصحف من شرنقة النظام، ودفعت البعض من الزملاء إلى إصدار صحف جديدة بصياغات وخلطة مشابهة لتجربة الوفد، وتجاوزوا بتجربتهم سقف الحريات الذى وصل إليه الوفد.

شريط من الذكريات مر أمامى وأنا أقرأ خبر وفاة الطرابيلى آخر أساتذتنا الذين تعلمنا منهم، وعملنا تحت اشرافهم أكثر من ربع قرن، شردى مات، وبدوى مات، وعبدالخالق مات، وها هو الطرابيلى يلحق بهم، سنوات كافحوا وكافحنا معهم لرفع سقف حرية التعبير، ونجحنا وكتبنا لسنوات طويلة بذهنية وقلم المعارض، لكن قبل ان يموت بعضهم، انخفض السقف، وضاقت الحريات، وعاد الإعلام إلى الشرنقة.

ماذا تبقى من أساتذتنا؟ وما الذى سيتبقى من تجربتهم؟ ومن الذى سيتذكرهم بعد رحيل جيلنا والأجيال التى كانت تعرفهم؟، هل سنذكر لهم سقف الحريات الذى رفعوه بأقلامهم وأقلامنا؟ من الذى سيتذكر تجربة الوفد قبل أن تدخل وسائل الإعلام الشرنقة؟

[email protected]