بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

رؤى

مبيض النحاس

قبل شهر رمضان المبارك، وقبل عيد الأضحى، كنا نحمل الحلل النحاس ونذهب بها إلى عم سيد مبيض النحاس، دكانه كان فى منطقة داير الناحية بطرف القرية، قرية قحافة مركز مدينة طنطا، منزلنا كان يقع فى وسط القرية، فى شارع باسم جدى الحاج بسيونى عريبى، على ناصية الشارع دكان عم شبل البقال، وأما الشارع الجورن، ومساحة كبيرة اقرب للحفرة يحيطها شجر السنط والكافور، وكان أهل القرية يخزنون ويدرسون فيه القمح، وأطفال القرية وشبابها كانوا يلعبون كرة القدم فيه.

دكان عم سيد مبيض النحاس كانت أبوابه من الخشب مثل سائر دكاكين القرية، عبارة عن ضلفتين، لون دهان الباب كان باهتًا لا يمكن تحديده، داخل الدكان منصة بكور نار بسلسلة يجزبها لتضخ الهواء فيعلو النار، يضع عليها الحلة ليزيل منها الجنزرة، وبمنصة حجرية أخرى يضع الحلة وينظفها، أمام باب الدكان أحد العمال يضع تراب الفرن وبعض الرمال وقطعة قماش داخل الحلة ويقف فوقها ويلف نصف دائرة، بعد فترة يقوم بغسلها بالماء، كأنها جديدة تمامًا، نحاس أحمر أو أصفر بيلمع من الداخل والخارج، خاصة قعر الحلة.

كثيرًا ما كان عم سيد يدور على مناطق وشوارع القرية فى أيام السنة العادية، وكنت أراه يبيض الحلل على طرف الجرن، يشعل نيران ويكفى عليها الحلة، وبعد تبريدها، يضع التراب وقطعة الخيش ويقف داخل الحلة ويلف نصف الدائرة.

أهل قريتنا وسكان مدينة طنطا كانوا يشترون الحلل النحاس من محل فى شارع الخان، وهو من الشوارع التجارية، اسمه البربرى، كان أشهر محلات بيع الحلل النحاس.

بعد سنوات اخترعوا الحلل الألومنيوم، وأقبل الأهالى عليها لخفة وزنها، ولعدم جنزرتها مثل الحلل النحاس، وكان يتم تنظيفها بليفة أو شوية تراب لكى تصبح كالجديدة، وعم سيد كان يقوم بنتظيفها، خاصة قعرها.

وفى السبعينيات أو الثمانينيات، بعد ظهور أنواع أخرى زرت قريتنا للعزاء، سرنا وراء النعش، مدافن قحافة فى مواجهة منطقة داير الناحية من البحر، فى طريق عودتنا لم أجد محل عم سيد، سألت أحد أقاربى، ضحك وقال:

ــ كان زمان، معدش حد بيجيب حلل نحاس، ولا يبيضها، دى مهنة انقرضت من زمان.

ـــ وعم سيد؟

ــ كبر فى السن، وظل يجلس بدون عمل أمام المحل حتى توفاه الله.

[email protected]