رؤى
الكون بين هود والفرقان
هل الله خلق الكون فى ستة أيام كما ذكر فى (هود: 7،الفرقان: 59، ق: 38، يونس: 3، السجدة: 4، الأعراف: 54، الحديد: 4)، أم خلقه فى ثمانية أيام كما جاء فى سورة فصلت: 9 ــ 12)؟
اغلب المفسرين من الصحابة وغيرهم، كما ذكر بالأمس، لم يروا تعارضا أو تناقضا بين الآيات التى ذكر فيها خلق الأرض والسماء فى ستة أيام، وبين ما ذكر فى سورة فصلت بأنها خلقت فى ثمانية أيام: «أئنكم لتكفرون بالذى خلق الأرض فى يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسى من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سموات فى يومين وأوحى فى كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم»، «فصلت 12:9».
روى الحاكم والبيهقى عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عباس رضى الله عنهما فقال: رأيت أشياء تختلف على فى القرآن. قال: هات ما اختلف عليك من ذلك. فقال: أسمع الله تعالى يقول: (قل أئنكم لتكفرون بالذى خلق الأرض فى يومين)، حتى بلغ (طائعين)، فبدأ بخلق الأرض فى هذه الآية قبل خلق السماوات، ثم قال سبحانه فى الآية الأخرى:(أم السماء بناها ـــ النازعات 27)، ثم قال: والأرض بعد ذلك دحاها ـــ النزاعات 30)، فبدأ جل شأنه بخلق السماء قبل خلق الأرض. فقال ابن عباس رضى الله عنهما: أما خلق الأرض فى يومين فإن الأرض خلقت قبل السماء، وكانت السماء دخاناً فسواهنَّ سبع سماوات فى يومين بعد خلق الأرض، وأما قوله تعالى: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) يقول: جعل فيها جبلاً وجعل فيها نهرًا، وجعل فيها شجرًا، وجعل فيها بحورًا. فدل هذا على وجود خلقين: خلق الأرض ابتداء، وخلق ما فيها من الجبال والأنهار.
وقال القرطبي(الجامع لأحكام القرآن) عما جاء بفصلت: { فى أربعة أيام } مثاله قول القائل: خرجت من البصرة إلى بغداد فى عشرة أيام وإلى الكوفة فى خمسة عشر يومًا، أى فى تتمة خمسة عشر يومًا».
وقال البغوى فى تفسيره: «فى أربعة أيام» يريد خلق ما فى الأرض، وقدر الأقوات فى يومين يوم الثلاثاء والأربعاء، فهما مع الأحد والاثنين أربعة أيام، كما تقول: تزوجت أمس امرأة واليوم ثنتين، وإحداهما هى التى تزوجتها بالأمس. وقال الزجاج فى الكشاف: فى تتمة أربعة أيام، يريد بالتتمة اليومين .
وقال الشنقيطي(أضواء البيان): الظاهر أن معنى (فى أربعة أيام) أي: فى تتمة أربعة أيام. لأنه تعالى قال:(قل أئنكم لتكفرون بالذى خلق الأرض فى يومين»، ثم قال: «فى أربعة أيام»، ثم قال: «فقضاهن سبع سماوات فى يومين»، فتضم اليومين إلى الأربعة السابقة، فيكون مجموع الأيام ستة أيام.