بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

هَذَا رَأْيِي

الخلاف والاختلاف وما بينهما

 

 

ليس من العجب أن يختلف الناس ولكن من العجيب أن يختصموا من أجل هذا الاختلاف. تحاوروا.. فالحوار قد يتمخض عن تلاقح الأفكار والوصول إلى الهدف المنشود الذى نريده مهما اختلفنا.. عندما تتسع دائرة الاختلاف تتطور إلى خلاف واتهام الآخرين بالعمالة والخيانة والجهل، والانفراد بالرأى.. هنا تكمن الإشكالية.. إن لم تكن معى فلا يعنى أنك ضدى، هذا منطق العقلاء، أما إن لم تكن معى فأنت ضدي!! فهذا المنطق مرفوض أخلاقيا وإنسانيا.

ابعدوا عن التعصب فالبعد عن التعصب والتصنيف المقيت من الأسس الناجحة فى إدارة الحوار، من صفات الحكماء تفتح العقل وسعة الصدر لتقبل الرأى والرأى الآخر، دون تعصب أو انحياز، وأستذكر مقولة الإمام الشافعى «رأيى صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب». ولابد أن نفرق بين الاختلاف والخلاف، فالاختلاف سبيله الحوار والنقاش وتقبل الآخر كما هو دون تجريح أو شخصنة، وغياب الحوار يؤدى إلى الجفاء ويهدم الود بين الناس ويؤجج الصراع.

الاختلاف ليس تخلفًا ولكن الخلاف بسبب الاختلاف هو قمة التخلف، وقود الخلاف الجهل والأمية والتعصب، فعندما سئل قاتل فرج فودة عن الدافع فى قتله أجاب بأنه كاتب كافر، وسأله القاضى هل قرأت ما كتب، فأجاب بالنفى ولكنه سمع أنه كافر. وهذه حادثة من الحوادث العديدة حيث يجتمع الجهل والتخلف لتصبح أسلحة تغذى التعصب والانغلاق حيث لا مكان للعقل والحكمة.

طبيعتنا كبشر مختلفون لحكمة. «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ» هود (118). نحتاج إلى تعلم ثقافة الاختلاف لا الخلاف، فليس كل ما يُعجبنا بالضرورة يُعجب الآخرين، وهناك أمور عديدة تختلف وكذلك المعتقدات، والأذواق أيضا، فليس كل ما يناسب شخصا يناسب الآخر، «للناس فيما يعشقون مذاهب». الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه رحب بعرض وجهات النظر وحث عليها بقوله: «لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها».

إنّ أسوأ العقول هى من تَحُول الاختلاف إلى خلاف « فالاختلاف فى الرأى ينبغى أَلَا يُودِى إلى العداوة، وإلا لكنتُ أنا وزوجتى من ألدّ الأعداء كما قال غاندي».

ثقافة الصوت الواحد واللون الواحد التى لا تقبل الاختلاف، بل تُلقى بالمختلف الآخر فى حظيرة التآمر أو الخيانة تجربة فاشلة ومقيتة.. غياب الحوار حول القضايا الصغيرة والكبيرة فى شتى المجالات العلمية والاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافة حتى الأدبية، والدينية، والسياسية لم يكن ليحدث ذلك لولا ضعف ثقافة الحوار والديمقراطية والمواطنة فى المجتمعات العربية.

انتشار مناخ الاستخفاف برأى الآخر المختلف وتفضيل السمع والطاعة على التفكير والحوار الذى أصبح غير مرغوب فيه فهذه ظواهر إن بقيت فسوف تقودنا فى نهاية الأمر إلى الهاوية، ولن يكون بمقدورنا التخلص منها، وإزالة آثارها. نشر ثقافة الحوار المبنية على التسليم بحقّ الاختلاف والتنوع، وترسيخ أدبيات الحوار لدى الحكام والمحكومين على السواء ضرورة.. تأكيد حقِّ الاختلاف ليس على مستوى الشعارات فحسب، بل وعلى مستوى الممارسة الفعلية.

الوطن ليس أنا ورأيى، ولا رأيك أنت؛ بل الوطن أنا وأنت ورأيى ورأيك، الخلاف لا يفسد للود قضية؛ وعلينا أن نفعل ثقافة الاختلاف فيما بيننا، تلك الثقافة التى تعنى احترام كل وجهة نظر ورأى واختيار مخالف لآرائنا وأفكارنا وسماعه ومناقشته فى أجواء يسود فيها الاحترام والهدوء وسعة الصدر، تحت شعار اختلاف الآراء والأذواق والأفكار فى حد ذاته رحمة للأمة، ونعمة من نعم الله علينا، وبصيرة لا يفقهها إلا العقلاء؛ وكما يقولون اختلاف الأئمة رحمة بِالْأُمَّةِ، ففى الاختلاف عقل وعلم ورحمة، وفى الخلاف هوى ومصلحة ونقمة.

فما أحوجنا فى هذه الأيام لأن نتعلم ثقافة الاختلاف لا الخلاف، وهذا لا يتم إِلَّا عبر التلاقى والحوار.

[email protected]