رؤى
طبيب الوحدة
أتذكر جيدا قبل أقل من خمسين سنة، عندما كنا نقيم فى منزل جدى بقرية قحافة مركز طنطا، كانت بعض الأسر تأخذ بناتها إلى طبيب الوحدة الصحية لتسنينها، وبناء على هذه الشهادة يوافق المأذون الشرعى على زواج الفتاة، حيث كانت الفتاة أصغر من السن الذى حددته الدولة للزواج، ربما كان 16 سنة.
وأذكر أن بعض المتعلمين كانوا يجرمون وليس يحرمون عملية التسنين، ويرون أنها مخالفة للقانون، وكانوا يحذرون من أنها تضع والد الفتاة وزوجها تحت طائلة القانون، ولم نسمع أيامها من متعلمى القرية أو شيوخ مساجدها بأن عملية التسنين حرام شرعا، لماذا؟، لأن الفتاة التى يتم تسنينها حاضت، ومع حيضها يمكن لها الزواج، والقدرة على الزواج هنا لم تكن القدرة أو الإطاقة الجنسية كما تسمى فقهيا، بل كانت القدرة على الإنجاب، وفى رأيهم أن الفتاة التى تبلغ المحيض تصبح قادرة على الحمل والإنجاب وخدمة زوجها وأولادها، والطريف أن أغلب المتعلمين الذين يفتون فى علمية التسنين كانوا يفعلون الشيء نفسه مع فتياتهم الصغيرات عندما يجيء عدلها.
كثير من الفتيات اللاتى كن يلعبن معنا فى القرية أو اللاتى كن يذهبن معنا المدرسة، اختفين بشكل مريب من شوارع القرية ومن المدرسة، وبعد أيام من الاختفاء أو الغياب نسمع حكايات عن احتجازهن فى المنازل، فقد تكلم عليها فلان، وأن الأسرة تستعد لتزويجها، وتكثر الحكايات وتتنوع حول عملية تجهيزها، بالأمس اشتروا النحاس، منذ يومين اشتروا السرير أبوعمدان.
الزيجات فى القرى زمان لم تكن تكلف الأسر الكثير من المال، لكن رغم هذا كانت تضلع أغلب الأسر بسبب الفقر وضيق الحال، كان الأب يستدين لكى يشترى شوار ابنته، او كان يبيع قراطا لتجهيزها، كانت الزيجة تتم فى حجرة داخل منزل الأسرة، يقوم أهل العريس بدهانها وش جير، وكان فى الغالب على الزوج الكردان الذهب والخلخال الفضة، وشراء السرير أبوعمدان ونموسية، وشراء الكنبة أم سحاره، ودولاب ان أمكن، وأسرة الفتاة عليها تنجيد المراتب وشراء المفروشات، وشراء البابور أو الوابور والحلل النحاس، وقبل كل هذا كان على اسرة الفتاة تجهيز الأوراق الرسمية التى تؤهلها للزواج قانونا، وهى شهادة التسنين، يذهب بها إلى الوحدة الصحية ويقوم الطبيب بتسنينها، بعد استخراج هذه الشهادة تعلن الأفراح فى القرية، وتختفى الفتاة تماما من الشوارع وأماكن اللعب، نط الحبل، والأولى، وتتغيب نهائيا عن المدرسة، وبعد أسابيع نشاهدها ونحن نلعب عنكب يا عنكب أو السبع شقفات، وهى تلقى المياه أمام الدار أو وهى تحمل ابنها فى يد وبالأخرى تحمل الزلعة مملوءة بمياه الشرب.