بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

من الحياة

من يثمّنك؟

الإعلامية الدكتورة

يحكى أن العلامة الكبير «أبوالحسن».. الذى كان من ألمع رجال الفكر فى العراق.. كان له تلميذ فقير الحال لكنه يحمل ذهنًا متوقدًا.. وفى يوم حار جدًا، خرج التلميذ الفقير من الدرس وهو جائع ويحمل فى جيبه فلسًا ونصف الفلس لكن الوجبة من الخبز والفجل تكلف فلسين.

اشترى بفلس قطعة خبز واحدة وذهب إلى صاحب محل الخضراوات وطلب منه باقة فجل.. وقال للبائع: معى نصف فلس لا غير، فرد عليه البائع: ولكن الباقة بفلسٍ واحد.. فرد عليه التلميذ لا شيﺀ عندى أعطيك سوى علمى، سوف أفيدك فى مسألة علمية أو فقهية معينة.. فرد عليه بائع الفجل: لو كان علمك ينفع لكسبت نصف فلس من أجل إكمال سعر باقة فجل واحدة.. اذهب وانقع علمك بالماﺀ واشربه حتى تشبع!

فخرج من محل البائع حزينًا وهو يتمتم: نعم صحيح لو كان علمى ينفع لكنت كملت سعر باقة الفجل الواحدة نصف فلس!! علم عشر سنين لم يجلب لى نصف فلس!! كم أنا غبي.. ضاع عمرى هدرًا على شيﺀ لم يجلب لى نصف فلس.. والله لأتركن الجامعة وأبحث عن عمل يليق بى وأستطيع أن أشترى ما أشتهى.

وبعد أيام، افتقد الأستاذ الكبير تلميذه النجيب وفى قاعة الدرس سأل الطلاب أين زميلكم المجد؟

فرد عليه الطلاب أنه تخلى عن الجامعة والتحق بعمل يتغلب به على ظروفه القاسية.. سأل الأستاذ: أين بيته؟ أريد مقابلته! قالوا له: أستاذنا أنت أعظم من أن تزوره! وقد ترك الجامعة بإرادته.

فقال الأستاذ: لا.. أريد أن أعرف ما هو سبب ترك الجامعة. أخذ الاستاذ عنوان الطالب وزاره.. فخجل الطالب من دخول أستاذه عليه.. رحب بأستاذه أشد الترحيب.. فسأله الأستاذ عن سبب تركه الجامعة؟ فرد عليه سارداً القصة كاملة وعيناه تذرفان الدموع بغزارة. فأجابه أستاذه: إنك تحتاج إلى نقود، وإليك خاتمى هذا. اذهب وبعه وأصلح به حالك. فقال الطالب: ليست القصة قصة خاتم ونقود إنما أنا كرهت العلم لأنى لم أنتفع منه.

فرد عليه الأستاذ: «هذا الخاتم ليس من أجل العودة إلى دروسك بل من أجل أن تنفق به على نفسك».. فقبل الطالب هدية أستاذه وسار إلى محلات الصاغة لبيع الخاتم. استغرب الصائغ وقال: سأشترى منك هذا الخاتم بألف دينار ولكن بعد أن تخبرنى من أين لك هذا الخاتم؟ فقال هو هدية لى من عند أستاذى (أبو الحسن)! قال الصائغ: خاتم ثمين هدية؟! وشكلك لا يوحى بأنك تعرفه وملابسك رثة! أنت سارق الخاتم أليس كذلك؟

فرد عليه الطالب: هيا معى إلى أستاذى من أجل أن تصدق أنه هدية منه.. ذهب الصائغ مع التلميذ وقابلا الأستاذ واطمأن من صدق الطالب. أعطى الصائغ ثمن الخاتم إلى الطالب فذهب الطالب للأستاذ ليشكره فقال الأستاذ للطالب: أين ذهبت عندما أردت بيع الخاتم؟ فرد الطالب: «إلى محلات الصاغة بالطبع». فرد عليه الأستاذ: لماذا ذهبت إلى محلات الصاغة؟.. فرد عليه الطالب: «لأن هناك يثمنون الخواتم والمعادن الثمينة»! فرد عليه الأستاذ متعجبًا: فلماذا إذاً قبلت أن يثمنك بائع الخضراوات ويثمن علمك ويقول إن علمك لا ينفع شيئًا؟! هل يثمن البائع علمك؟. لا يثمن الشيﺀ سوى من يعرف قيمته! وأنا أثمنك أنك من أعظم طلابى يا بني.. لا تدع من لا يعرف قيمتك يثمنك.!! صدقت يا أبا الحسن!!

عليك ألا تقبل أن يثمّنك إلا من يعرف قيمتك وقدرك وعلمك وأخلاقك.. فالتثمين لابد أن يكون من صاحب الخبرة ومن يعرف معادن الناس وقيمتهم.. فلا تحزن إذا تم تثمينك من شخص لا يعرف قيمتك.. فالتقييم ينبع من جهتين؛ من الداخل والخارج: من داخلنا يجب أن نعرف أننا بشر نخطئ ونصيب ونتعلم من أخطائنا.. والتقييم الخارجى من أصحاب العلم الذين يعرفون قيمة الإنسان مهما كان صغيرًا.. إن الناس معادن ولا يعرف قيمة المعدن النفيس إلا الصاغة فلا تتعامل إلا مع من يعرف قيمة النفيس ويعرف كيف يثمنك!.. موعدنا الثلاثاء المقبل إن شاء الله.