بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

داء الاستباحة الملعون

 

بالأمس وفى أثناء متابعتى لمقالات الكتاب والصحفيين، لفت انتباهى وبشدة مقال لأحد كبار الكتاب الصحفيين (ولن أذكر اسمه ولا منبره الإعلامي)، هو رجل مشهور ومعروف للعامة قبل القراء والمثقفين.

ولست هنا بصدد الكتابة عنه أو التعريف بشخصه الكريم أو ذكر انتماءاته الفكرية أو حتى تقييم ما أورده بمقاله، والذى أراه مهمًا، فهو يحمل فكرة عظيمة ستوفر علينا الكثير، وفقه الله هو وغيره ونفع البلاد والعباد بكل خير وفكر بنّاء.

ولى عادة قد اعتدت عليها منذ فترة، وهى أن أدقق فى قراءة تعليقات القراء على المقالات المنشورة لعلّى أرى رأيًا سديدًا أو تعقيبًا ملهمًا يستحق القراءة، وأدقق أكثر وأكثر إن كان المقالُ قويًا فى فكرته، مترابطًا فى بنائه، ملهمًا فى ربطه بالواقع، شيقًا فى أسلوبه، غنيًا فى مفرداته، فريدًا فى لغته، وهذا المقال كان قويًا فى فكرته، فجذبنى التعرف على آراء القراء عليه.

فما إن شرعت فى قراءة التعليقات إلا وقد توالت عليّ الصدمات الواحدة تلو الأخرى لدرجة فاقت قدرتى على التعجب أو حتى التعبير عن عميق غضبى وبالغ أسفى وعظيم حزني، ولم أصدر أى صوت غير حسرة كبيرة شقّت ثنايا قلبى على ما وصل إليه حال البعض.

فتتلخص التعليقات فى التفاصيل الكاملة لمفهوم الاستباحة، فالتعليقات تتضمن مفردات تستبيح الكاتب فى عرضه وعرض أسرته، وتستبيح ذمته، أو التشكيك فيما وراء سطوره- مع أن المقال لا يحمل أية ملامح سياسية أبدًا لا من قريب أو بعيد، ولا بالتصريح أو التلميح-، ومعانٍ تحمل سبًا وقذفًا بمفردات يخجل قلمى عن ذكرها، هذا بجانب كلمات عجيبة غير مُبررة تحمل أدعية سلبية على شخص الكاتب.     

 وممّا أزعجنى بشدة وأنا أتصفح هذا السيل العرم من وصلة قذف غثٍ مُنفرٍ ومُقزز، أن قليلًا هم فقط من عظّم الفكرة وطالب بتنفيذها، وقليلًا هم أيضًا من انتقد صُلب الموضوع بأدب ورؤية سوية، وقليلًا هم أيضًا من حلّلوا الفكرة دون المساس بشخص الكاتب أو حياة أسرته، فنادرًا ما تجد فيهم من يتحلّى بالموضوعية أو حتى الرشد.

ونتفق جميعًا على أن الموضوعية فى مجتمعنا أصبحت ظاهرة نادرة أوشكت على الانقراض، فالموضوعية هى صفة العقلاء وأصحاب النفوس السليمة، لكن ما يحدث هنا هو الأسوأ على الإطلاق، هو طعنٌ نافذ فى كل خُلقٍ شريف، هو نزعٌ للقيم من جذورها، هو انتهاكٌ ممنهج لكل ما أتت به الشرائع السماوية، فَسَادَ التحيز والجهل والتنطع والفخر بالسب والاستعلاء بالقذف والتشهير، فالاستباحة باتت فى صدارة المشهد.

والاستباحة لغة هى استحلال الشيء من خلال أفعال مراد منها تجويز ورفع الحرمة عن فعل ما والإتيان به وإلباسه لبس الجائز أو الحلال.

أما الاستباحة كما يقول رجال الدين: أن لا فرق فيها بين الهازل والجاد والجاهل، فضررها واحد وخطرها عظيم لما تسببه من زرع الضغائن بين أفراد المجتمع الواحد، ولانتهاكها أمورًا نهى الشرع الحنيف عن المساس بها وهم الدم، المال، العرض.

ومهما كان تبرير من ينتهك الأعراض ويستبيحها، فغير مقبول منه، ولو أقسمت علينا أن غرضك سليم فلن نصدقك، فقولك باطل لا يُسبغ بالحق أبدًا، وسلوكك مشين لا يُبرر إيجابًا أبدًا وفّعلتك ملعونة بِعُرف المجتمع السليم وبقول الشرع الحنيف. ولو تمسكت بحقك المزعوم فى استباحة أعراض الناس بحجة الحرية أو الديمقراطية، فرأيك شاذ وغريب ومردودٌ عليه، فانتقد كما تشاء صُلب موضوع المقال، فلن يُناطحك أحد طالما كان رأيك بعيدًا عن الاستباحة بأحدهم.

فقبل أن تُوجهوا سهامكم المسمومة نحو الآخرين، وقبل أن تتجرأوا على فضح مساوئهم على الملأ أو التشهير بهم كذبًا انظروا إلى أنفسكم وحاسبوها، وفتشوا داخلكم عن صغائركم وكبائركم وتوبوا عنها، فكلنا بشر نُصيب ونُخطئ وخالقنا فقط هو المُطلع على سرائرنا، وعليمٌ بنا.

[email protected]