بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

رؤى

المنامات

المكتبة العربية حظيت بالعديد من كتب المنامات، فقد وصلنا العشرات منها، سجلت الأحلام والرؤى الغريبة والطريفة والغامضة لبعض الشخصيات، خاصة الحكام والوزراء والكتاب والفقهاء وغيرهم، مثل كتب: ابن سرين (ت 110هـ)، وابن أبى الدنيا (281هـ)، والتنوخى (ت 348هـ)،  والوهرانى (ت 575هـ)، والنابلسي (ت1143هـ) وغيرهم العشرات.

هذا الاهتمام المبكر بالمنامات تسجيلًا، وتفسيرًا، وتأويلًا، يثير سؤالًا على قدر كبير من الأهمية، هو: هل المنامات تعد آلية للتفكير فى بعض المراحل والثقافات والديانات؟، هل انشغال بعضنا بالمنامات مرتبط بحجم ثقافى وعلمى وعقائدي؟، لماذا يحرص البعض على استنطاق منامه؟.

 أغلب الدراسات الحديثة لم تنشغل كثيرًا بأسئلة كهذه، اهتمت فى مجملها بالقالب الأدبى، بحثت فى بنية المنامات وجماليتها السردية: الخبر، السند، التبرير، التفسير، التأويل، التنبؤ، التخيل، الحكي، الإمتاع، وتصنيف الجنس الأدبي، انتخبوا بعضها من الكتب وأخضعوها لأفكار ونظريات نقدية جاهزة.

بعض من قرأنا لهم قفز على مصداقية الأخبار، وتعامل معها كواقع وحقيقة، ولم يفترض للحظة إمكانية وضعها أو التدخل فى نصوصها بالتحوير أو التعديل أو المبالغة، وتناسوا أن أغلب ما وصلنا من منامات تم تحويره أو تصنيعه، على سبيل المثال ابن كثير (ت774هـ) ذكر فى البداية والنهاية، خبرًا عن الملك الكلدانى نبوخذ نصر (ت 562 قبل الميلاد)، الذى أسقط مدينة أورشليم وأسر اليهود، من الصعب تصديقه، نسبه إلى وهب بن منبه(34-114هـ) تابعى اشتهر برواية الإسرائيليات، قال: «إن نبوخذ نصر بعد أن خرب بيت المقدس واستذل بنى إسرائيل بسبع سنين، رأى فى المنام رؤيا عظيمة هالته فجمع الكهنة والحزر، وسألهم عن رؤياه تلك. فقالوا ليقصها الملك حتى نخبره بتأويلها. فقال: إنى نسيتها، وإن لم تخبرونى بها إلى ثلاثة أيام قتلتكم عن آخركم. فسمع بذلك دانيال وهو فى سجنه (من سبط يهوذا، من أنبياء بنى إسرائيل، اقتيد فى السبى البابلى وهو شابا)، فقال للسجان: اذهب إليه فقل له: إن هاهنا رجلًا عنده علم رؤياك وتأويلها. فذهب إليه فأعلمه فطلبه.. إلخ».

وإذا كان خبر وهب اختلق بغرض التشوية لنبوخد، فإن ابن محرز الوهرانى (575هـ) تعمد تصنيع مناماته للسخرية من بعض المحيطين به، قدم شخصياته فى صور كاريكاتيرية، ضخم بعض الملامح بقصد التهكم.

على سبيل المثال وصف القاضى الفاضل (ت 596هـ) وزير صلاح الدين الأيوبي، بقوله: «فلم أشعر إلا والحائط قد انشق، وخرج من شخص عجيب الصورة، ليس له رأس ولا رقبة، وإنما وجهه فى صدره، ولحيته فى بطنه».

معظمنا لا يتوقف كثيرًا أمام المنام ولا يهتم حتى بذكره، لكن البعض منا ينشغل بتفاصيله وتفسيره وتأويله، وهو من نسأل عنه: لماذا؟، ما هو سبب اهتمامه؟، هل مرده: التربية، ضعف قدراته الذهنية، قصور فى الثقافة؟

[email protected]