بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

مراجعات

للصبر حدود!

 

فوز رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد، مؤخرًا، بجائزة نوبل للسلام كان خبرًا مفرحًا فى دول القارة الأفريقية.. والعالم، بعد المكانة التى اكتسبها كزعيم دولى يُشار إليه بالبنان.

القائمون على الجائزة الرفيعة قالوا إنه استحقها عن جدارة واستحقاق، لدوره فى إنهاء الحرب المستمرة منذ 20 عامًا مع جارته إريتريا، ووساطته الناجحة كمفاوض بارع فى عملية تسليم السلطة بالسودان، بعد الإطاحة بالمخلوع عمر البشير.

هذه النظرة الدولية ترى أن «الشاب آبى أحمد» يخطو ببلاده قُدُمًا نحو الإصلاح والمصالحة، وتكريس جهوده من أجل تحقيق السلام والاستقرار فى منطقة القرن الأفريقى المشتعلة بالصراعات.

ربما «كانت» النظرة نفسها موجودة لدينا تقريبًا، حين استبشر كثير من المصريين بقدومه للسلطة، لأن الرجل يحاول جاهدًا بناء الديمقراطية الإثيوبية، وترميم حقوق الإنسان، وتصفير المشاكل مع دول الجوار.

لكن دوام الحال من المحال.. فالمصريون الذين علّقوا آمالهم على رئيس الوزراء الإثيوبي، بأنه يمتلك «حلًا معتدلًا» لسد النهضة، بعد تصريحات سابقة منسوبة إليه، انتقد فيها المشروع، نجد أن نظرتهم الآن تغيرت تمامًا، مع فشل مفاوضات بناء السد.

اللافت للنظر أن رجال السياسة ومشاهير الإعلام فى مصر، رفعوا مكانة وشأن وقدر الرجل، وبات يُنظر إليه على أنه نجم دولى وزعيم عالمي، يشبه كثيرًا غاندى أو مانديلا، لكننا لا نعرف الآن موقفهم من حائز نوبل للسلام الذى يهدد حياة المصريين؟!

وبعيدًا عن تلك الصورة الوردية المرسومة للرجل، فإن المتابع لأقوال وأفعال «آبى أحمد»، فى مرحلة ما بعد التوقيع على «إعلان المبادئ» بين مصر والسودان وإثيوبيا بخصوص سد النهضة، فى مارس 2015، يكتشف أن مواقفه متغيرة ومتقلبة، ولا يُعَوَّل عليها فى إيجاد أى حلول عادلة.

ربما كان «آبى أحمد» لم يولد بعد، حين بدأت أولى محاولات إثيوبيا فى تحويل مجرى مياه النيل الأزرق، قبل أكثر من نصف قرن، لكنه الآن «كرجل سلام» مطالب أكثر من أى وقت مضى، بإثبات عدم الضرر الذى يُتوقع أن يلحق بمصر جراء بناء سد النهضة.

منذ توقيع وثيقة تقاسم مياه النيل بين مصر وبريطانيا فى العام 1929، التى تم بموجبها «منحنا» حق استغلال 55.5 مليار متر مكعب من المياه، لم تنقطع محاولات إثيوبيا المتكررة، الإضرار بمصر وإهدار حقوقها التاريخية والاتفاقيات الدولية فى هذا الشأن، فى حين فضلت الأنظمة المصرية المتعاقبة، اللجوء للحوار والدبلوماسية الهادئة.

لكن مع التعنت والتشدد الواضحَين لإثيوبيا، ومراوغاتها غير المبررة، والإعلان رسميًا عن فشل مفاوضات «سد الألفية»، بات جليًا تغير اللهجة المصرية لتتسم بالصرامة والحزم، خصوصًا أن حصة مصر ستتأثر خلال فترة ملء خزان السد، وكذلك أثناء مدة تشغيله، سواء أكان على حصة المياه وتوليد الكهرباء، أو تقلص مساحة الأراضى الزراعية بنسبة 30%.

نقول لحائز نوبل للسلام: لا يمكن لأى دولة وحدها، التحكم فى النيل، لأنه نهر دولى تحكمه قواعد القانون الدولي، كما أن مصر لديها الكثير من الأوراق، بدءًا من الدبلوماسية والوسطاء الدوليين، مرورًا بممارسة الضغوط، وليس انتهاءً بحلول أخرى مؤثرة، قد لا تتحملها إثيوبيا على الإطلاق.

أخيرًا قد نتفهم احتياجات إثيوبيا التنموية، لكن لا يمكن بشكل قاطع، القبول بأن يكون «سد النهضة» عملًا عُدوانيًا، يهدد وجودنا وبقاءنا، أو إدخالنا مرحلة الفقر المائى المدقع والجفاف.. فالصبر له حدود، وخيارنا الأوحد هو إما أن «نتقاسم» الحياة أو الموت!

[email protected]