لله والوطن
«نيتس دى جى» المصرى
مواقع التواصل الاجتماعى صارت «طاعوناً» يهدد بخراب للمجتمعات والعقول.. بعد أن باتت مرتعاً للمخربين والإرهابيين وضعيفى النفوس والمتطرفين وأصحاب الأجندات المشبوهة.. وعجزت دول كثيرة عن مواجهة هذا الخطر ومحاصرته قبل أن يستفحل أثره، ويخرج على حدود السيطرة.
زادت فوضى مواقع «التلاسن الاجتماعى».. وتخطت كل حدود القدرة على التحمل.. وأصبحت ساحة لنهش الأعراض ونشر الإفك والضلال والكذب والرذيلة.. والقهر.. والتشكيك فى أى شىء وكل شىء.. وللأسف فشلت كل الجهود الرسمية بالدولة فى التعامل مع هذه الظاهرة.. وتقدير حجمها الحقيقى.. وتدارك الخطر الذى تتسبب فيه.. كما تعاملت معه بإهمال واضح.. ورعونة أحياناً.. باكتفائها بنفى ما يثار على هذه المواقع من أخبار.. ثم يفاجأ المستخدمون بكذب هذا النفى.. وهو ما خلق حالة من انعدام الثقة فى كل ما يصدر عن مكونات الجهاز الإدارى للدولة.
< فى="" مؤتمر="">
عقدت جلسة مهمة بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى.. دار موضوعها الرئيسى حول تأثير نشر الأكاذيب على الدولة.. والمجتمع.. ودور مواقع التواصل الاجتماعى فى ذلك.. دارت كل الأحاديث عن شرح خطورة تحول هذه المواقع إلى آلة تدمير مهولة تستخدمها أياد مجهولة.. أشباح.. كسلاح أشد فتكاً وتدميراً من كل الأسلحة التقليدية التى جرى استخدامها فى كل أجيال الحروب القديمة السابقة.. وكيف كان لهذا السلاح الفتاك بالغ الأثر فى تدمير دول كالعراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها.. وكيف يتم استخدامه بكل ضراوة لمحاولة النيل من الدولة المصرية التى ما زالت صامدة حتى الآن شعباً وجيشاً وقيادة فى مواجهة هذا الخطر الداهم.
ولكن.. كالعادة انتهت الجلسة إلى تشخيص المرض ووصف أعراضه دون وصول إلى علاج ناجع له.. أو حتى طرح أى حلول أو أفكار «من خارج الصندوق» لهذه المعضلة.. بما يتعدى حدود مطالبة الأجهزة الإعلام والمؤسسات الاجتماعية والدينية والسياسية بالتصدى لهذا الخطر عن طريق التثقيف والتوجيه والتوعية.
< حقيقة="">
إن المشكلة أصبحت أكبر كثيراً من مثل هذه الأفكار التقليدية المطروحة لمواجهتها.. وبات الأمر يتطلب التصدى بوسائل عملية وقانونية للتعامل مع الجهات المسئولة عن إدارة هذه الموقع والتحكم فى محتواها.. حتى لا يظل الأمر يبدو كأننا نحارب أشباحاً أو نشهر سيوفنا فى مواجهة «طواحين الهواء».
دول عديدة تنبهت إلى هذه المسألة.. أهمها ألمانيا التى وضعت قانوناً معروفاً اختصاراً باسم «نيتس دى جى».. وبدأ سريانه فى أوائل أكتوبر من عام 2017.. بمقتضى هذا القانون يتعين على الشركات المالكة لمواقع «السوشيال ميديا» أن تفتح مكاتب لها فى جميع المدن.. وظيفتها هى تلقى الشكاوى ما ينشر من مواد تحريرية وصور وتعليقات على حسابات الأفراد.. ويلزم القانون هذه الشركات بالبت فى الشكاوى فى غضون 24 ساعة.. وإزالة المواد غير القانونية والأخبار الكاذبة أو التى تحرض على الكراهية.. وإن تقاعست الشركات عن ذلك تتكبد غرامات مالية باهظة.. قد تصل إلى 50 مليون يورو.
القانون الألمانى يعد الأكثر تشدداً بين كل ما اتخذته الحكومات والهيئات الرسمية فى كل دول العالم من جهود لكبح جماح مواقع التواصل الاجتماعى.. وقد تم وضع هذا القانون بعد أن تعالت الأصوات الداعية إلى الحفاظ على النظام فى مواقع التواصل الاجتماعى بطريقة أكثر تأثيراً.. وذلك فى أعقاب انتشار الأخبار كاذبة والمواد العنصرية عبر أذرع شركات التواصل الاجتماعى فى ألمانيا.. ويقضى القانون إلى جانب إجباره شركات التواصل الاجتماعى على التصرف بسرعة بأن تضع المواقع آلية لإرسال الشكاوى يتمكن المستخدمون بواسطتها من إبلاغ العاملين فيها بأى مواد مخالفة بسرعة.. ويجب إزالة المواد المخالفة خلال 24 ساعة.. وقد تصل المهلة إلى أسبوع فى حالة «المواد الشديدة التعقيد».
< الميزة="" فى="" هذا="">
انه يتعرض بشكل مباشر للمسئولية القانونية للشركات المالكة لمواقع التواصل عن المحتوى المنشور فى هذه المواقع.. كما أنه بإلزامه هذه الشركات بفتح مكاتب تمثيل لها فى الدولة يتثنى له أن يتعامل مع هذه الشركات وفقاً لقانون الدولة نفسها التى يقع عليها ضرر النشر.. وليس وفقا لقوانين دولة مقر الموقع التى قد لا تجرم مثل هذه الأمور باعتبارها «حرية عامة».
وفى مصر صدر قانون الصحافة والإعلام الجديد.. وبه بعض النصوص الخاصة بتنظيم عمل المواقع الإلكترونية.. ومن بينها مواقع التواصل الاجتماعى.. إلا أن هذا القانون تعرض فقط إلى فرض عقوبات على مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى فى حالة إساءة الاستخدام.. لكنه لم يحدد أدوات للتعامل مع هذه المواقع ومسئوليتها القانونية عن إساءة استخدامها.. وهو ما نرى أنه لن يتحقق إلا وفقا لهذا «النموذج الألمانى».. ونتمنى أن تحظى هذه المسألة بالاهتمام من جانب الدولة ومؤسستها التشريعية.. لتضع لنا قانون «نيتس دى جى المصرى» إذا كنا فعلاً نرغب فى ألا نظل نحارب طواحين الهواء.