لله والوطن
هيبة الدولة «خط أحمر»
أما آن الأوان لوقفة حاسمة مع هؤلاء البلطجية والمجرمين والمنفلتين الذين أصبحوا يحكمون الشوارع ويفرضون سطوتهم جهاراً نهاراً على البشر، ويمارسون أعمال ترهيب وابتزاز وفرض إتاوات، دون رادع حتى بتنا جميعاً نخاف مواجهتهم ونستسلم لإجرامهم، وحتى أن رجال الأمن أنفسهم لم يسلموا من بطش هؤلاء؟
هذا السؤال
نطرحه بمناسبة الحادث الإجرامى، بل نقول الإرهابى الذى تعرض له ضابط شرطة فى منطقة المقطم والذى أسفر عن مصرع بلطجى برصاص مسدس الضابط، وقد رأيناه بالصورة والصوت فى مقطع فيديو كامل التقطه الجيران، ابتداء من هجوم مجموعة بلطجية على منزل الضابط حاملين السنج والشوم والأسلحة البيضاء، وقيامهم بتحطيم سيارته، وتوجيه عبارات السباب الخارج له ومحاولة اقتحام شقته، مما اضطره للنزول لهم، وقاموا بالاعتداء عليه بالضرب، فأطلق نيران مسدسه فى الهواء لإخافتهم، وهذا حق كفله له القانون، لكنهم لم يرتدعوا وهجموا عليه بأسلحتهم محاولين الاستيلاء على سلاحه الميرى، ليقاومهم وتخرج طلقة من السلاح وتقتل أحدهم.
هذه الوقائع
ثابتة وموثقة ولا تقبل الشك أو التأويل، كما أن رواية الشهود تؤكد النية المبيتة والتعمد من جانب هؤلاء البلطجية للاعتداء على الضابط، انتقاماً لصديقهم الذى تشاجر معه بسبب «ركن السيارة» أو لأى سبب آخر، فقد حضروا إلى منزل الضابط فى اليوم التالى للمشاجرة حاملين أسلحتهم، ومبيتى النية عن سبق إصرار وترصد لتحطيم سيارته والاعتداء عليه، وقاموا بذلك بالفعل.
وفى تصورنا أن أى محقق نيابة سيشاهد مقطع الفيديو ويستمع لأقوال الشهود لن يكون قراره إلا الإفراج عن الضابط وحبس باقى المتهمين، واعتبار الحادث قتل خطأ فى حالة دفاع شرعية عن النفس.
فى مناسبات عديدة سابقة
حذرنا كثيراً من خطورة التراخى فى مواجهة ظاهرة البلطجة التى انتشرت بشكل سافر بعد يناير 2011 وبعد الانفلات الأمنى الذى ساد البلاد، وانكسار حاجز الخوف والرهبة بين هؤلاء البطجية وبين رجال الأمن.
كما حذرنا من محاولة التعامل مع هذه الظاهرة الكارثية باعتبارها أمراً واقعاً لدرجة أن بعض المسئولين أطلقوا دعوات تعنى ضمنياً «تقنين البلطجة»، مثل ما تحدث عنه مسئول فى محافظة القاهرة عن إمكانية تقنين عمل «سياس الأرصفة» الذين هم فى حقيقتهم بلطجية يمارسون فرض الاتاوات على أصحاب السيارات، وكذلك حذرنا من التهاون فى التعامل مع سائقى «التوكتوك» البلطجية وجرائمهم التى تروع المجتمع، من أعمال خطف وسرقة واغتصاب، وقتل أيضا، وآخرها حادث قتل صيدلى مدينة 6 اكتوبر الذى لقى مصرعه أمس على أيدى سائقى التوكتوك لاعتراضه على صدم أحدهم لسيارته وإحداث أضرار بها.
لذلك نكرر تحذيرنا:
ونقول: إن التراخى فى مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة يعد اعترافاً ضمنياً من الدولة، بعجز أجهزة الأمن، بل وانهيار الدولة بالكامل، فالدولة التى لا تستطيع تطبيق القانون ومواجهة المجرمين هى دولة فاشلة، وعاجزة.
الحكومة التى تفشل فى مواجهة البلطجة، هى حكومة خائنة لأهم دور أوكله لها الشعب، بحكم الدستور، والذى ينص على أن «سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة»، كما أن الحكومة باعتبارها «الهيئة التنفيذية والإدارية العليا للدولة» ملزمة بحكم الدستور بأن «تكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن وتسهر على حفظ النظام العام»، فإذا عجزت الحكومة عن تطبيق وإنفاذ القانون، فإنها تفقد أساس وشرعية بقائها فى الحكم.
•• وهنا
لا يجوز التعلل بضعف الإمكانيات، المادية والبشرية، أو بقوة الخصم وتوحشه، فالدولة مسئولة مسئولية كاملة عن تطوير إمكانياتها، بأى ثمن، للحفاظ على الأمن وسيادة القانون، لأنهما أهم عناصر قوة الدولة، ولأن القوة والصرامة فى حماية الشعب، هى فى حقيقتها أساس الحفاظ على هيبة الدولة بأكملها، وهذه الهيبة خط أحمر لا يمكن تجاوزه.