لله والوطن
وما زالت المدارس «خرابات»..!!
سكتنا عن الحديث فترةً طويلةً عن مشروع الدكتور طارق شوقى «الطموح» لتطوير التعليم.. سكتنا استشعارًا لوجود رغبة «على المستوى الرسمى» فى إغلاق هذا الملف مؤقتًا ومنح الوزير الفرصة والوقت الكافيين من أجل العمل.. وترجمة أفكاره إلى استراتيجيات وخطط وإجراءات فعلية قابلة للتنفيذ.. وسكتنا أيضًا بعد أن سعى البعض إلى «تسييس» مشروع الوزير.. باعتبار أن هذا المشروع إنجاز عظيم للدولة.. وأن الذين يعارضونه أعداء للوطن، يستهدفون النيل من شخص الوزير، كونه رمزًا من رموز الدولة.. وسكتنا ثالثًا بعد أن صرح الوزير نفسه بأنه يخوض معركة ضد «دول» لا تريد لمشروعه النجاح.. وأن من يهاجمونه- هو ليس مشروعه- هم عملاء هذه الدول المعادية التى ليس من مصلحتها تطوير التعليم فى مصر.
•• باختصار
أراد الوزير أن «يلبِّس» منتقدى مشروعه فى الحيط.. ويوقع بهم فى شرك الخيانة والعمالة والإرهاب.. فآثرنا السلامة ومنحناه الفرصة والوقت اللذين أرادهما.. إلى أن أعلن بنفسه أنه جاهز لتطبيق مشروعه مع بدء العام الدراسى الجديد.. وبدأ التنفيذ بالفعل.
لكن.. ما حدث فى الكثير من المدارس الحكومية خلال الأيام الأولى من الدراسة.. وتناقلت صوره وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى.. كسر حاجز الصمت، وفرض على الجميع إعادة فتح هذا الملف «المغلق على غير اقتناع».. من جديد.
•• مشاهد صادمة
يجرى تداولها.. لأطفال يفترشون أرضيات الفصول لعدم وجود مقاعد وأماكن لهم فى الكثير من المدارس الابتدائية.. وخصوصًا فى القرى والأقاليم.. بينما يتكدس باقى زملائهم فوق المقاعد المحدودة.. ومشاهد أخرى لأولياء أمور يساعدون أبناءهم على تسلق الجدران ليسبقوا زملاءهم إلى الفصول، ويفوزوا بالجلوس فى المقاعد الأمامية.. ومشاهد لطفل لقى مصرعه تحت أقدام زملائه الذين تدافعوا للخروج من الفصول فى فترة «الفسحة».. وطفل آخر أصيب بالاختناق أثناء صراعه مع زملائه على الجلوس فوق مقاعد الفصل.. وأطفال يمارسون عادتهم فى «التزويغ» والقفز من فوق أسوار المدارس.. ومشاهد لمدارس غارقة وسط أكوام القمامة التى تحيط بها من كل جانب، وتغلق مداخلها وأبوابها.
ثم طفل يبكى ويصرخ داخل فصله متوسلًا للمعلمة «والنبى يا حاجة تسيبينى أنام ربع ساعة بس وأعمل لك اللى إنت عاوزاه».. بينما تكتفى «الحاجة» بتصويره، وزميلة له تتجول داخل الفصل بين الأطفال، وفى يدها العصا لإرهابهم.. وغير ذلك الكثير من المشاهد المأسوية والمفجعة..!!
•• ماذا تغيّر إذن؟
أين ما حدثنا عنه الدكتور شوقى من نقلة نوعية ضخمة، وقفزة حضارية تاريخية ثورية فى جودة التعليم..؟! وهل لكل هذا الحديث قيمة إذا كان التلميذ لا يجد لنفسه مقعداً داخل الفصل، فيضطر إلى افتراش الأرض.. وإذا كان الأطفال لا يتلقون علمًا حقيقياً.. والمدرسون يواصلون التعامل معهم بالعصا كقطيع من الأغنام.. هذا إذا كانوا يدخلون فصولهم أصلاً.. لانشغالهم فى مراكز و«عيادات» الدروس الخاصة.. والمدارس بدورها لا تقوى على محاسبة أحد.. ولا تجرؤ على إجبار الطلبة أو المدرسين على الحضور.. فى ظل نظام إدارى أعوج.. ونظام تعليمى كسيح.. يدور خارج سياق الزمن.. وفشل فى مداواته كل الأطباء والخبراء والمتخصصين الذين حولوه إلى حقل تجارب.. معظمها للأسف فاشلة.. لتكون المحصلة هى ما عبرت عنه إحدى الطالبات المتفوقات فى الثانوية العامة هذا العام بقولها: «إن المدارس تحولت إلى خرابات».
•• نعم.. المدارس ما زالت خرابات
هذه حقيقة.. يجب أن نعترف بها.. وقد قلناها مرارًا وتكراراً.. وسنظل نقولها: إن تطوير التعليم لا يحتاج إلى «طلاسم» وألغاز ولوغاريتمات.. المسألة ببساطة هى أننا نريد فصلًا دراسيًا ينتظم فيه الطالب، ويجد المدرس الذى يعلمه تعليمًا جاداً.. وفق مناهج دراسية ووسائل تعليمية وتربوية حديثة ومتطورة تؤهله للتخرج ليس فقط حاملًا شهادة دراسية ورقية.. ولكن يكون حاملًا علمًا حقيقيًا يفيده ويفيد المجتمع.. ولن يتحقق ذلك الا بإكمال «البنية التحتية» والبيئة التشريعية والإدارية لمنظومة التعليم.. وأى مشروع تطوير يخفق فى إقناعنا بقدرته على تحقيق هذه المعادلة.. هو مشروع محكوم عليه بالفشل.. مثله مثل كل «التجارب» الفاشلة السابقة.