الشرق الأوسط فى الفوضى العالمية الجديدة (1)
يسعد الإنسان كثيراً عندما يرى أن الروح الاستعمارية الشريرة السائدة فى حكومات العالم الغربى الذى تتزعمه أمريكا، وأن المؤامرات الشريرة التى يدبرها أشرار هذا الاستعمار العنصرى مثل مؤامرة الشرق الأوسط الجديد الدائرة الآن لتقسيم الدول العربية خصوصاً إلى دويلات صغيرة متعادية على أساس عرقى ودينى وطائفى لا تستطيع رغم جبروتها إسكات صوت الحق داخل الغرب المعادى نفسه أو طمس معالم الحقيقة كلية فيخرج وسط الظلام الشرير بين الحين والآخر صوت غربى حر شريف ذو ضمير حى ليفضح المؤامرات الشريرة ويقف فى هذه الحقيقة دون خوف من الأغلبية المسيطرة حوله.
وهذا البحث المطول الذى نشره موقع «انفرميشن كليرغ هاوس» فى 14 ديسمبر سنة 2017 هو لأحد هذه الأصوات الشريفة الشجاعة فى الغرب وهو السفير الأمريكى الأسبق تشاس فيريدمان والذى يعمل حالياً الباحث الأول فى معهد واتسون للعلاقات الدولية والعامة، والذى نقدمه للقارئ فى هذه السلسلة التى نشرتها له جامعة براون فى 11 ديسمبر سنة 2017 تحت العنوان أعلاه ونقلها عنها موقع «انفرميشن كليرنغ هاوس».
يقول فريدمان:
«منذ زمن ليس بعيداً كان الأمريكيون يعتقدون أننا نفهم الشرق الأوسط ومنطقته التى يصطدم فيها العالم الأفريقى مع الآسيوى والأوروبى، فعندما تفككت الإمبراطورية العثمانية فى الحرب العالمية الأولى أصبحت المنطقة منطقة نفوذ غربية تسيطر عليها القوى الاستعمارية البريطانية والفرنسية والإيطالية، ثم جاءت الحرب الباردة فى أعقاب الحرب العالمية الثانية فقسمتها إلى دول تابعة للنفوذ الأمريكى أو السوفيتى تعتبر دولها إما معنا وإما ضدنا، وديمقراطية أو شمولية، ودول بترولية وغازية أو محرومة من هذين الموردين، وكان تصرفنا طبقاً لذلك.
وفى سنة 1991 فشل الاتحاد السوفيتى فى الحرب الباردة وترك أمريكا كقوة عظمى وحيدة على المسرح، وباختفاء الاتحاد السوفيتى أصبح الشرق الأوسط منطقة نفوذ أمريكية خالصة، ولكن سلسلة من الفشل لأمريكا وردود فعله محلية لذلك ساعدت منذ ذلك الوقت فى دفع المنطقة إلى حالة من الفوضى.. بينما تراجعت السيطرة الأمريكية تدريجياً.
وفى ظل الفوضى العالمية الجديدة هناك عدة أنظمة محلية، فالشرق الأوسط أحد هذه الأنظمة، إنه يدخل فى المراحل النهائية لعملية تحديد مصير فى مرحلة ما بعد الاستعمار بدأت بتشكيل كمال أتاتورك دولة تركيا الحديثة من أنقاض الإمبراطورية العثمانية سنة 1923، وهذه العملية ترسخ المفهوم الغربى الأصلى للدولة الأم فى المنطقة وقادت هذه العملية إلى رفض جمال عبدالناصر السيادة البريطانية وإسقاط النظام الملكى فى مصر سنة 1952. وكان رفض آية الله خمينى للسيطرة الأمريكية واستبدال حكم الشاه بالجمهورية الإسلامية فى إيران سنة 1979 و«الربيع العربى» ذو التسمية الخاطئة سنة 2011 والذى تتفتح صفحاته الأخيرة فى المملكة العربية السعودية.
وفى الشرق الأوسط كما فى أماكن أخرى فإن السياسات الإقليمية وليس الدولية هى التى تدفع الأحداث، فالعالم يعود للدخول فى بيئة دبلوماسية شبيهة لما عاصره هنرى جون تمبل الثالث المعروف بالفيكونت بالمرستون الذى خدم خلال القرن التاسع عشر كوزير الحربية البريطانى ووزير الخارجية ثم رئيس وزراء بريطانيا، وكان قلب النجاح السياسى خلال توليه سلطاته هو السيطرة على توازن القوى الإقليمى ليحمى المصالح القومية ويمارس نفوذه من خلال وسائل لا تصل إلى الحرب الساخنة.
ونقف عند هذه الفقرة حتى الحلقة التالية.
الرئيس الشرفى لحزب الوفد