لله والوطن
المشهد السياسى وغياب التنافسية
مصر تمر الآن بمرحلة انتقالية دقيقة.. يثور خلالها جدل عميق حول المشهد السياسي القائم.. قبيل انتخابات رئاسية لا ننكر أنها تفتقد الى منافسة حقيقية بين مرشحين متفاوتي الرؤى والبرامج والتوجهات.. بقدر ما تفتقد أيضا لغياب قوى سياسية حقيقية يمكن أن تكون وعاء أو «حاضنة» لهؤلاء المرشحين.
•• هذه الحالة
هي ما أوجدت الاستقطاب الحاد الحادث.. بين أغلبية صامتة مستسلمة للوضع القائم الذي يُعلى اعتبارات الأمن والاستقرار فوق حقوق الممارسة السياسية.. باعتبار ذلك ضرورة فرضتها الممارسات الفوضوية التي تلت مرحلة الحراك الثوري بعد 25 يناير 2011 .. وبين أقلية «صاخبة» ترفض أن تكون التضحية بجزء من الحريات ثمنا لاستتباب الأمن والنظام.. وتملأ الفضاء السياسي ضجيجا وصراخا حول «الحريات المفقودة» و"التعددية الغائبة".. وتتجاهل حقيقة أن ما تعتبره الآن «حالة انسداد سياسي» في المجتمع تتحمل مسئوليته كل القوى السياسية التي افتضح ضعفها وهشاشة تنظيمها في أول اختبار تنافسي حقيقي خاضته في مواجهة التيار الديني السياسي بعد 2011 .. وتتعامى عن حتمية البدء بإعادة بناء تنظيماتها قبل أن تصب جام غضبها على الدولة القائمة.
•• الرئيس السيسي
عبر عن هذه الحالة في خطابه الأخير بمدينة بورسعيد.. قائلا: «لابد من تأسيس قوى سياسية حقيقية في مصر.. لأن هذه القوى هي التي ستتولى المسئولية عن الدولة مستقبلا.. وهذه القوى لابد أن تتجهز وتتعلم جيدا.. لأننا نتكلم عن بلد وناس وشعب.. ويمكن أن يؤدي عدم العلم والجهل بالقرار الى خراب البلد».
هذه حقيقة يجب أن نتوقف أمامها بعقل مفتوح وضمير صادق.. وادراك لخصوصية المرحلة الدقيقة التي يمر بها الوطن.. في ظل التحديات والمؤامرات التي تواجهه من أعدائه في الداخل والخارج.. و الحاجة الى تثبيت الدولة القائمة وإعلاء ضرورات الأمن والاستقرار.. وأيضا في ظل حاجة القوى السياسية ومكونات المجتمع المدني نفسها الى إعادة تنظيم صفوفها.. وتعزيز قدراتها على المنافسة الانتخابية وفرض البديل السياسي المدني.. في مواجهة «المشروع الديني الأممي» الإخواني.
•• وهذا
ربما يكون هو السبب الحقيقي لعدم إقدام الأحزاب المصرية على خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة.. وتفضيلها إعلان مساندتها لإعادة انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي لفترة رئاسية ثانية.. ليس خوفا من بطش أو تكدير.. ولا تنحيا أو تخليا عن مسئوليتها السياسية.. وإنما إيمانا بضرورة استمرار المشروع الوطني القائم.. واكتمال تجربته.. وتقويم وتحسين بعض أدواته.
•• لكن
ليكن ذلك منطلقا من أن القبول بهذه المعادلة يظل خيارا مرحليا ارتضاه الشعب وفرضته أولويات الأمن القومي .. باعتبار أن منع تكرار مشهد الفوضى السياسية الذي أوقع الوطن في أسر تنظيم الإخوان الإرهابي قبل 30 يونية 2013 يفرض على جميع القوى الوطنية المخلصة تمكين الدولة القائمة من القيام بوظائفها وفرض وجودها.. الى أن تتمكن هذه القوى من الاستعداد الجيد لحمل المسئولية كاملة في مرحلة قادمة تتوازن خلالها الأفضليات بين الحفاظ على الأمن وترسيخ دعائم الحريات الدستورية.