الروس ينفخون في الزبادي!
أتمنى ألا نفقد أعصابنا أمام فرق التفتيش الروسية، التي تتوافد على مطاراتنا، فرقة وراء فرقة، وأسبوعاً بعد أسبوع، منذ سقطت الطائرة الروسية بركابها فوق سيناء، في أكتوبر قبل الماضي!
إن شهراً لا يكاد يمر، على مدى عام وربُع العام، إلا ويكون عندنا وفد أمني روسي يفتش على مطار الغردقة مرة، وعلى مطار شرم الشيخ، مرة أخرى، ثم على مطار القاهرة، مرة ثالثة، ليرى ما إذا كانت الإجراءات الأمنية فيها جميعاً، على ما يجب أن تكون عليه، أم لا؟!
وفي آخر مرة، وكانت في أول فبراير، لجأ وفد التفتيش الروسي الى طريقة جديدة لاختبار إجراءات الأمن في مطار القاهرة، فراح يختبر الأمن المصري نفسه، لولا أن أمننا فطن الى الحيلة الروسية وكشفها في لحظتها، بما أثار إعجاب الروس على حد وصف الأنباء المنشورة عن الموضوع!
لقد دس عدد من أعضاء الوفد الروسي، ممنوعات في حقائبهم هُم أنفسهم، وكانت الممنوعات تبدأ من القنابل الهيكلية، وتمر بالمواد السائلة، وتنتهي بالأسلحة البيضاء، وكان أملهم أن تمر هذه الممنوعات كلها، دون أن يضبطها أمن المطار، فنبدأ دائرة التفتيشات المتعاقبة، والممتدة، من أولها!
ومن حُسن حظنا أن الأمن كان على اليقظة الواجبة، بحيث تمكن من ضبط ممنوعات الروس، رغم أنهم تفننوا في الحيلة، وكانوا إذا انكشفت حيلتهم في بوابة معينة من بوابات الدخول في المطار، جربوا حيلة مختلفة على بوابة أخرى، ولكن الضبط كان في انتظار ممنوعاتهم، في كل مرة جديدة!
في البداية كنت أتصور أن الجماعة الروس غير جادين في إعادة سياحتهم إلينا، وأن التفتيش وراء الآخر منهم على عدد من مطاراتنا، ليس إلا نوعاً من استهلاك الوقت معنا، وأن هذه الحكاية سوف تطول، حتى نزهق نحن، أو يصيبنا الملل، ولكني انتبهت إلى أن أكثر من مائتي راكب كانوا على الطائرة، وأنهم لقوا مصرعهم دون استثناء، وأن كارثة بهذا الحجم، تجعل صاحب قرار إعادة السُياح الروس، إلى شرم، أو إلى غير شرم، ينفخ في الزبادي، إذا صح التعبير!
المواطن في هذه البلاد له قيمة حقيقية، رغم أنها بلاد حديثة عهد بالديمقراطية، بل إنها لا تزال في أول طريق الديمقراطية، بالمعنى الذي تعرفه الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا للعمل الديمقراطي، ولكن هذا لا يمنع أن يكون للمواطن في موسكو ثمن، ولا يمنع من أن يوضع اعتبار هذا المواطن في الحساب عند اتخاذ أي قرار، ولا يمنع من أن تكون عين صانع القرار هناك على مواطنيه، ومدى رضاهم عنه، عند قطع أي خطوة!
لو ضممنا قصة الشاب الإيطالي «ريجيني»، وإصرار حكومة بلاده على أن تصل إلى الحقيقة من وجهة نظرها في قصته.. لو ضممناها إلى موضوع الطائرة الروسية، وتصميم السلطات في روسيا هي الأخرى على التأكد من أن اجراءات الأمن في مطاراتنا، منضبطة، ودقيقة، بنسبة مائة في المائة، لا أقل، فسيكون علينا أن نخرج من المسألة على بعضها، وفي حالتيها، بدرس ينفعنا!
الدرس هو أنه لا بديل عن أن تعلو قيمة المواطن على كل ما عداه، لأنه بلا مواطن بهذه القيمة في بلده.. لا بلد!