طفل المزود
يا رب.. أكتب لك خطاباً غير معتادٍ ويبدو أنه غريب، هذه الرسالة منى كطفل بدأ فى الإيمان بك بكل وعى وفهم وحُب. أما الآن، اكتشفتُ أن الهدايا التى كانت تُقدّم لى، لم تكن منك أنت، وإنما كان والداي وأحبائى يرسلونها لى عن طريق بابا نويل، حتى أننى فهمت بأن هذه العطايا مرتبطة بالمحفظة والمال، ولم تكن هبات مجانية. للأسف، توجد عقليات تربط بين الهدايا والنقود، كل شىء يُشتَرى، نستطيع أن نحصل على كل ما نحتاجه إذا كان لدينا مال، لكننى انتظر هبة أخرى لا تُقدّر بثمن أو تُشترى. وهذه الهبة ستغيّر العالم وليست لها صلة بالمال. عطية لا نستطيع الحصول عليها من المحلات ولا صلة إذا كنتُ صالحاً أم لا. أنا أنتظر هذه العطية التى ستُمنَح لى حتى ولو كنتُ خاطئاً أو لستُ على ما يرام. انتظر عطايا تُغيّر العالم كالسلام والمحبة والسعادة والإرادة الصالحة والأخوّة والعدل بين الناس. انتظرُ كل هذه منك شخصياً. كما أطلب منك يا رب أن تقرأ رسالتى جيداً، لأن عيد الميلاد بالنسبة لى هو انتظار العطية. أنا لا أعدك بأن أكون طيباً أو صالحاً يوم عيد ميلادك. أودُ أن أكون صادقاً معك. كثيرون يتظاهرون بأنهم صالحون وأسخياء ومتعاطفون ومهذّبون ومتسامحون إلى درجة أنهم يبْدون كقديسين. ولكنهم فى الغد يعودون كما كانوا من قبل إلى الأنانية واللامبالاة تجاه القيم الإنسانية والروحية، ويبحثون عن المنفعة الذاتية والمصالح الشخصية وغيرها. جميعُنا يتفنن شتّى الطرق للاحتفال بالعيد من طعام وملابس وهدايا وزينة ومشاعر طيبة، كل هذه تُستهلك فى يوم عيدك. لذلك أُعلن لك صراحةً بأن لا نيّة لى لأكون أفضل وأحسن وأطيب فى يوم ميلادك، لكن أريد أن أكون كما أنا حتى تستطيع التعرّف عليّ وتتقابل معى مثل سائر الأيام الماضية فى ضعفى ووهنى. لذلك لا أعدك بأى تغيير فى هذا اليوم.
لا رغبة لى فى ذلك، تكفى الأعداد الغفيرة التى تتجمّل فى هذا اليوم، لكننى أعدك بأن أتغيّر فى اليوم التالى، وسأضع على عاتقى عيد الميلاد من الغد. كثيرون هم الذين يقدّمون أفضل ما عندهم فى هذا اليوم، ولكننى أريد أن أنتهز الأفضل كنتيجة للعيد. يكفينا أن هذا اليوم مملوء بالأفضل والأحسن وهو ما قدّمته أنت يا رب لنا جميعاً. الغالبية العظمى تعتبر عيد الميلاد كيوم خارج تقويم السنة، كأنه يوم لا وجود له فى الزمن، أو كأنه محطة الوصول النهائية. ليس عيد الميلاد هو نقطة الوصول، لكنه محطة الانتقال والسفر، يجب أن نعى جيداً بأننا لم نصل إلى النهاية فى هذا اليوم، ولكننا نبدأ فى التحرك والرحيل.
بالنسبة للكثيرين كل شىء ينتهى فى عيد الميلاد ولكن يجب أن نبدأ من هناك كنقطة انطلاق. كما كانت هذه هى اللحظة الحاسمة للرعاة والمجوس الذين بدأوا الرحيل بعد لقائهم معك يوم ميلادك. كذلك نحن أيضاً نستطيع أن نعتبر لحظة الاحتفال بالميلاد تبدأ بعد انتهاء مباهج الفرح والاحتفال بالعيد. نستطيع أن نكتشف ونعلن هذا للآخرين بأن عيد الميلاد حلّ علينا، ليس لأنه تاريخ محدد ومكتوب فى التقويم السنوى، ولكن لأننا تغيّرنا للأفضل على الصعيد الروحى والإنسانى والأخوى.
لذلك يجب علينا أن نفرّق بين تاريخ وحدث، فالتاريخ هو شىء محدد وثابت ومكتوب ولا يتغيّر، بينما الحدث هو واقع حيوى ومنفتح على المستقبل، أى شىء سيحدث. التاريخ يخص الماضى وبكل بساطة يتحول إلى ذكرى، أما الحدث فيخص المستقبل، ويجب علينا اختراعه وابتكاره وتجديده. لذلك عزيزى الطفل يسوع، لا تنتظر منى شيئاً جديداً فى ليلة ميلادك. أنت قمت بكل ما عندك، ولكن من المضحك أن أدّعى بإضافة شيء جديد فى هذا اليوم، سأكتفى فى يوم ميلادك بالمشاهدة والملاحظة والتعجب، وسأنتظر اليوم التالى لأبدأ إحياء هذا العيد على مدار العام. كل عام وجميع المصريين بخير وسلام بمناسبة العام الجديد وعيد الميلاد المجيد طالباً من الله بأن يمنحنا الأمن والأمان تحت رعاية رئيسنا السيد عبدالفتاح السيسى والقوات المسلّحة والشرطة والقضاء.
رئيس المركز الكاثوليكى للسينما