بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

عودة الناصرية جنون مطبق (17)

 

وقفنا فى المقال السابق عند اعلان الاحكام العرفية ومنع التجول على إثر نجاح مؤامرة حريق القاهرة، وفى اليوم التالى على الفور قام الملك باقالة آخر وزارات الوفد فى 27 يناير، وكان خطاب الاقالة اكثر تهذباً من خطاب اقالة وزارة الوفد سنة 1944 اذ قال فاروق للنحاس: «ولما كانت الأحداث السابقة تثبت أن جهد الوزارة قد قصر عن حفظ الأمن والنظام فقد رأينا اعفاءكم من منصبكم»، ولم يقل الملك «إقالتكم» كما جرت العادة، عهد فاروق بتشكيل الوزارة الى أحد أقرب خلصائه وهو على ماهر وكانت مهمته تهدئة الجو ومجاملة الوفد حتى تهدأ جذوة الحركة الشعبية، فأشار ماهر فى خطابه للملك بقبول الوزارة الى شخص مصطفى النحاس قائلا «سلفى العظيم»

لم تدم وزارة ماهر سوى شهر واحد نشطت القوى الأمنية خلاله بجمع الأسلحة من الفدائيين والقبض على الكثير منهم، كما تم تعطيل البرلمان شهرا وهى أقصى مدة يسمح بها الدستور، وبعد استقالة ماهر فى 2 مارس سنة 1952 عهد الملك بالوزارة الى عدو الوفد اللدود والقطب الوفدى السابق حتى وزارة الوفد سنة 1942 نجيب الهلالى الذى رفع شعار «التطهير قبل التحرير» وبدأ فى تكوين لجان لملاحقة رجال الوفد واتهامهم بالفساد، وكان التطهير على يد الهلالى أضحوكة كبرى، فقد كان فاروق الفساد الأكبر الذى يتضاءل بجانبه كل فساد، وكان الهلالى ألعوبة فى يد فاروق.

استمرت وزارة الهلالى 4 أشهر حتى 2 يوليو بعد أن عطل الدستور تماما بالمخالفة الصارخة للدستور ثم استقال بأمر شفهى من الملك، وعهد فاروق بتشكيل الوزارة الى صهره السابق حسين سرى، ولم تستمر وزارته سوى عشرين يوماً ثم استقال وخلفه نجيب الهلالى الذى استمرت وزارته يوما واحدا لم يتسع وقتها لمجرد اداء اليمين، فقد وقع الانقلاب العسكرى بعد منتصف الليل أى فجر 23 يوليو واستولت جمعية الضباط الأحرار على السلطة كما سنوضح ملابسات وخلفيات العملية فى المقال التالى وما يليه.

يطيب لنا أن نذكر فى عجالة شديدة فى نهاية هذه الفترة ما فعلته حكومات الوفد من اصلاحات اجتماعية واقتصادية تطبيقاً لأحد ثوابت الوفد، وهو العدالة الاجتماعية، فرغم أن حكومات الوفد المتعددة لم تحكم الا أقل من سبع سنين فقد حققت خلالها الاصلاحات التالية التى تحتاج لمجلدات لتفصيلها فنكتفى بسرد رؤوس المواضيع:

- ادخال التعليم المجانى الإلزامي «أى مدارس محو الأمية» ثم التعليم المجانى للمرحلة الابتدائية ثم الثانوية دون الجامعة بين سنوات 1924 حتى آخر وزارة سنة 1950.

- اصدار أول تشريع بإنشاء نقابات للعمال الصناعيين ثم الزراعيين فى وزارة سنة 1942.

- إصدار أول تشريع بتعويض العمال عن اصابات العمل فى وزارة سنة 1936.

- إصدار قانون الضمان الاجتماعى بإعطاء معاشات لمن لا إيراد لهم خلال وزارة الوفد الأخيرة.

- إصدار قوانين التعويض عن اصابات العمل وامراض المهنة خلال وزارة سنة 1950.

- إدخال العلاج المجانى بكل قرى مصر عن طريق الوحدات الصحية التى كانت تنشأ فى القرى على أراضٍ يتبرع بها عادة الموسرون من أهل القرية وتتكفل الحكومة بالمبانى والأدوية ومرتبات الأطباء والممرضين، وكان ذلك واضحاً تماماً فى وزارة سنة 1942.

- تشريعات الضرائب التصاعدية لتقريب الفجوة بين الأغنياء والفقراء.

- مشروعات ادخال المياه النقية ومشروعات الصرف الصحى فى كل قرى مصر تدريجياً اعتباراً من وزارة سنة 1936.

- السماح لأبناء الطبقة المتوسطة وما دونها بالالتحاق بالكلية الحربية فى وزارة سنة 1936 بعد أن كان الالتحاق بها مقصوراً على الأمراء والنبلاء وكبار الأثرياء، ومن سخرية القدر أن معظم الضباط الأحرار الذين قاموا بانقلاب 23 يوليو سنة 1952 كانوا من أبناء الطبقة المتوسطة وما دونها الذين مكنتهم حكومة الوفد سنة 1936 من الالتحاق بالكلية الحربية.

كان هذا فى اختصار شديد رصيد حزب الوفد وحكوماته بقيادة الزعيمين الخالدين سعد زغلول ومصطفى النحاس طوال فترة تولى الحكم التى لم تصل لسبع سنوات بين الوزارة الاولى سنة 1924 والأخيرة سنة 1952.

وقبلها وطوال عمر الحركة الوطنية وقيادة ثورة سنة 1919 الخالدة كحزب حتى نهاية الفترة الليبرالية والحكم المدنى سنة 1952 بوقوع الانقلاب العسكرى، كان الوفد دائما هو حزب الشعب المعبر عن آماله وطموحاته، والقائد لكفاحه سواء ضد استبداد أعداء الدستور والحكم النيابى من ملك واحتلال بريطانى أو ضد فاشية دينية صنعها الاستعمار لتقديم بديل خادع للشعب يغنيه عن الديمقراطية والحكم النيابى، ويحاول عبثاً أن يلهيه بفاشية دينية ترفع زوراً راية ما يسمى خلافة إسلامية لا علاقة لها بالدين الحنيف.

ونبدأ من المقال التالى سرد قصة الانقلاب العسكرى فى 23 يوليو سنة 1952 وخلفياته وما فعل بمصر عندما فضل ما سماه العدالة الاجتماعية على الديمقراطية السياسية.

 

الرئيس الشرفى لحزب الوفد