بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

جهنم

القلم ممدد على جسد الورقة البيضاء لا يريد أن ينهض وينتصب كى يحبلها بالكلمات أو يرسم لوحة أو يفتك بها، أصابته سدة نفس واكتئاب وبؤس وضيق خلال الأيام الماضية، أطل على مكتبتى لتمدني بالحلول، كل الكتب مشرعة كسهام تريد أن تنتفض ولا تريد الانتفاض، تريد أن تهبط ميدان القتال ولا يوجد ميدان للمصارعة والقتال، أشعل سيجارة من أخرى ولا بديل، أضع رأسي أسفل صنبور الماء ولا يأتي الحل، أخرج للشرفة، الشمس ساطعة ولكنها باهته لا تدفىء ولا تحول الحياة لهجير ونيران، أغلق الشرفة وأعود لصفوف الكتب بمكتبتى، أمد يدى على أحد كتبي الاثيرة، أقلب في الصفحات، أجدها بيضاء دون كلمات، ألقي بالكتاب على أحد المقاعد، انتبه لإنتهاء سيجارتي، أهرسها في المنفضة وأسحب أخرى، أفتح التليفزيون، تمتلىء روحي وجسدى بالدخان والدموع والرصاص والجثث، وتمتد الجثث لتملأ جسد الوطن وغيطانه وصحراواته، جنود وضباط قبل صلاة الجمعة فى شارع الهرم، وأقباط ومصلون فى الكنسية البطرسية، جنود تتمزق فى العريش، وبشر طيبون يقتلون فى أسيوط، أغلق التليفزيون، أبكى، أخبط بيدي على الجدران والكتب وحواف المقاعد، أحاول ان اتصل بالأصدقاء والأقارب للتهنئة بالمولد النبوي، لا أجد  أحدًا يرد علي، والقليلون الذين ردوا يخبروننى بأنهم مقاطعون شراء الحلوى هذا العام، أحاول ان أمزح معهم، أو أشاركهم أى طقوس احتفاليه، فلا أجد غير الصمت.

كياني كله مشتعل ويفور ويتمزق ويمتليء بالدماء والدخان والبؤس الأسود، أفكار تتناثر للكتابة والإبداع وعند البدء ينقطع حبل الكلام، لا أكمل غير صفحات قليلة وتموت الفكرة، والقلم سادر في مكانه يأبى التحرك، أحاول أن أغزو ذاكرتي للعودة لأيامي القديمة المبهجة، أجد كل أبواب الذاكرة موصدة بالضبة والمفتاح، أجلس وحدي تمامًا، وأكون واحدًا، وحيدًا، مفردًا، أفرد سجادة الصلاة، أحاول أن أصلي ركعتين لله كي يفتح بصيرتي ويفك أسر قلمى، أتذكر أننى لم أتوضأ، أذهب مرة أخرى للصنبور، أجد المياه مقطوعة، ألعن كل شىء حولي، أمد يدى لعلبة السجائر، أجدها خاوية، أضع يدي فى جيبي فأجده خاويًا من أى نقود، يأتى صوت بائع روبابيكا مارًا في الشارع، أنادي عليه وأقدم له قلمي كي يشتريه، يرفض في كبرياء ويولح بيده بإشارات الجنون عليّ، وفي الجهة الأخري يمر رجل يحمل « بلاص» عسل وينادي العسل الأسمر، انبهه أن اسمه «عسل أسود»، فيلوح لى بيده في ضيق، ويستمر فى ندائه.

أعود لقلمي وأوراقى وكتبى، أمدد قلمى وأنام بجواره يحيط بنا أسوار وتلال من الكتب والجثث والأفكار، وأبدأ فى صنع نعشى الخاص وتغليف روحى بهذا الكفن الممدد والمتسع والذى يشمل الكتابة والروح والأفكار والوطن.