بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

عودة الناصرية جنون مطبق (9)

وقفنا فى المقال السابق عند إعادة دستور 1923 بأمر ملكى استصدره توفيق نسيم، رئيس الوزراء، نتيجة الضغط الشعبى الهائل الذى مارسته الجماهير بقيادة الوفد والمظاهرات العارمة من الطلبة التى حاول البوليس قمعها بقسوة شديدة طوال سنة 1935، ثم وفاة الملك فؤاد فى أبريل سنة 1936. وكان توفيق نسيم قد استقال فى آخر يناير سنة 1936 وشكل على ماهر وزارة محايدة مهمتها إجراء الانتخابات بعد عودة دستور سنة 1923. ومات الملك فؤاد خلال وزارة على ماهر، وعندما أجريت الانتخابات اكتسحها الوفد بأغلبية ضخمة كالعادة، فقام مجلس الوصاية الذى تشكل عقب وفاة فؤاد برئاسة الأمير محمد على توفيق بتكليف النحاس زعيم الأغلبية الشعبية بتشكيل الوزارة.

شكل النحاس وزارته الثالثة فى 9 مايو 1936. وكان هدف الوزارة الأول الوصول لتسوية مع بريطانيا تضمن تحقيق المطالب الوطنية. وكان هدف بريطانيا تهدئة الرأى العام المصرى بأى وسيلة لتجنب حدوث ثورة ضدها فى مصر فى ضوء التوتر الدولى الشديد، خصوصًا بعد قيام إيطاليا بغزو الحبشة سنة 1935 والتقارب الشديد بين إيطاليا وهتلر بعد وصوله للسلطة فى ألمانيا فى يناير سنة 1933.

كانت سحب الحرب العالمية الثانية تتجمع بسرعة فوق الأفق، وكانت إيطاليا تهدد مصر من الغرب، حيث كانت جيوشها تحتل ليبيا منذ غزوها لها فى سنة 1911، وكانت هناك قوى فاشية داخل مصر صغيرة الحجم، ولكنها كانت غاية فى النشاط، الذى سبب عرقلة ليست بالقليلة لوزارة النحاس. وكانت أهم هذه القوى هى حزب مصر الفتاة بقيادة أحمد حسين، الذى كان يجاهر بمساندة إيطاليا الفاشية تحت زعامة موسولينى. وكوّن أحمد حسين ميليشيات مسلحة تسمى «القمصان الخضر» استعدادًا للقفز إلى السلطة بمساعدة إيطاليا عندما يحين الوقت.

أما الجماعة الفاشية الأخرى وهى الإخوان المسلمين، فظلت تترقب الأوضاع مع الاتصال سرًا بألمانيا النازية، ولم يكشف حسن البنا عندئذ جهازه السرى المسلح الذى كان قد بدأ فى تكوينه منذ نشأة الجماعة، الذى لم يقم بأى اغتيالات قبل اغتيال أحمد ماهر باشا، رئيس الوزراء سنة 1945 كما سيأتى فى حينه. اكتفى الإخوان المسلمين فى هذه الفترة باستمرار الدعاية لفكرة الخلافة الإسلامية ومحاربة الديمقراطية والحكم النيابى الليبرالى.

وحاولوا سنة 1937 عندما حان وقت تولى الملك الشاب فاروق العرش أن يحرضوا شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغى -وكان عدوًا سياسيًا شديدًا للوفد- بأن يروج لفكرة أن يقوم الملك الشاب فاروق بأداء يمين اعتلائه العرش فى الجامع الأزهر، وأن يقوم الشيخ المراغى بوضع التاج فوق رأسه كما كان بابوات الفاتيكان يفعلون مع ملوك أوروبا فى العصور الوسطى. وأن يقدم المراغى سيف محمد على الكبير هدية لفاروق نيابة عن الأمة الإسلامية التى يأمل أن يكون خليفتها الجديد. ولكن زعامة مصطفى النحاس العملاقة وقفت فى طريق تجار الدين، فأنذر المراغى بأنه لو وضع قدمه فى باب السياسة سيكسرها له، بل وسيعزله من مشيخة الأزهر. وماتت الفكرة فى المهد وأدى فاروق يمين اعتلاء العرش فى البرلمان أمام اجتماع مشترك لمجلس الشيوخ والنواب فى يوليو سنة 1037، كما ينص الدستور. وظل الإخوان فى هذه الفترة يدعون لهتلر ويرددون الشائعات التى تقول إن هتلر مسلم واسمه الحقيقى الحاج محمد هتلر، وأنه منتظر عندما تقوم الحرب وتدخل قوات ألمانيا وإيطاليا مصر سيقوم بإشهار إسلامه من شرفة قصر عابدين وبجواره ملك مصر الشاب فاروق.

نعود لوزارة النحاس التى بدأت على الفور مفاوضات مع بريطانيا بهدف إنهاء الاحتلال البريطانى وانسحاب آخر جندى بريطانى من مصر فور انتهاء الحرب المنتظر اندلاعها أى لحظة. وإلغاء جميع الامتيازات الأجنبية فى مصر، حيث كانت الجاليات الأوروبية بالذات لها محاكمها الخاصة ولا تخضع للسلطات المصرية، وكأنها دولة داخل الدولة.

وفى 26 أغسطس سنة 1936 توصلت مصر وبريطانيا إلى توقيع معاهدة سنة 1936 التى بموجبها تنسحب جميع القوات العسكرية من كل أنحاء مصر باستثناء عشرة آلاف جندى يتمركزون حول قناة السويس لحمايتها لو اندلعت الحرب. وتبقى مسألة حكم السودان معلقة حاليًا، كما وردت سنة 1899 بين مصر وبريطانيا. أى تبقى حاليًا تحت حكم مصرى بريطانى مشترك. وإن كان الواقع أن بريطانيا ظلت لها اليد الطولى فى السودان رغم الشكل الخارجى الذى يقضى بأن يكون تعيين حاكم عام السودان بأمر ملكى مصرى، على أن يكون الحاكم بريطانيا، كما جرى العرف حتى وقتها. ولم يكن شبح الحرب المنتظرة حكومة الوفد أن تحصل على أكثر من ذلك وقتها.

 

الرئيس الشرفى لحزب الوفد