كلمة.. وحملة!
تتبنى قناة «تن» حملة كبيرة هذه الأيام شعارها: قاطع المستورد.. واشترى المصري!
والذين يشاهدون القناة لابد أنهم قد لاحظوا أن برنامج «مساء القاهرة» قد خصص حلقات الأسبوع كاملة للحملة، وأن مذيعة البرنامج إنجى أنور كانت فى كل حلقة تبدو مؤمنة بالموضوع حقاً، ومتحمسة له فعلاً، قبل أن تكون مجرد مقدمة لبرنامج، أو مجرد مذيعة فى حلقة من حلقاته!
ثم كان زميلنا بشير حسن صاحب الفكرة، وكان ولا يزال يحشد لها الضيوف المتحمسين من كل اتجاه، وكان الدكتور سعد الجيوشي، وزير النقل السابق، ولا يزال أيضاً، يحمل لواء الدعوة إليها على كل المستويات!
والحقيقة أن المقاطعة كفكرة، تظل سلاحاً من أقوى الأسلحة الشعبية فى تاريخنا، وفى تاريخ الكثير من الدول، وليس أدل على ذلك إلا أن زعيماً مثل المهاتما غاندى فى الهند، قد هز الإمبراطورية البريطانية فى عز مجدها بسلاح واحد، بل وحيد، اسمه المقاطعة! وإذا تحدثنا عن أنفسنا، وعن تاريخنا، فسوف لا نجد أقوي، ولا أروع، ولا أشد، مما فعله المصريون مع لجنة ملنر قبل ثورة يوليو ١٩٥٢، ففى ذلك
الزمان أرسلت الحكومة البريطانية تلك اللجنة للبحث فى أسباب ثورة الشعب المصري، التى كانت قد ملأت البلاد ضد المحتل!.. وكان الإنجليز يعرفون طبعاً أن الثورة تريد الاستقلال، ولا شيء غير الاستقلال!
وأحس المصريون وقتها بأن اللجنة جاءت لمجرد التهدئة، لا أكثر، ولمجرد تضييع الوقت، لا أكثر، فقرروا أن يفوتوا عليها الفرصة، وأن يقطعوا الطريق على الذين أرسلوها من لندن.. ولم يكن هناك ما هو أفضل من المقاطعة سلاحاً فى هذا الاتجاه!
وحين وصلت اللجنة الى القاهرة، فإنها أقامت فى فندق سميراميس على النيل، وكانت كلما طرقت باباً وجدته مقفلاْ، وكلما طلبت أن تجلس مع أحد من المصريين اعتذر، وكلما أرسلت فى رجاء أن ترى أى مسئول مصري، جاء الرد بالرفض الذى لا يناقش ولا يساوم!.. ولما يئست راحت تذيع أنها لن تفتح الموضوع الذى جاءت من أجله مع أى طرف يقبل أن يقابلها، وأنها سوف تتكلم فى موضوعات عامة، ورغم ذلك كله فإنها وجدت نفسها معزولة تماماً فى الفندق، لا ترى أحداً من أبناء البلد، ولا يراها أحد، فعادت مهزومة الى حيث أتت!
شيء من هذا قفز الى عقلى وأنا أشارك فى إحدى حلقات الحملة فى «مساء القاهرة»، ثم وأنا أتابعها، وكان تقديرى أن على كل مواطن أن يكون جندياً فى هذه الحملة من مكانه، حيث كان، بأن يشجع منتجات بلده، وأن يفضلها على كل مستورد، لعل ذلك يخفف الطلب على الدولار الذى هو أداة المستوردين فى عملهم، فتتراجع حدة الأزمة الاقتصادية قليلاً!
إننى أعرف أن كثيرين من المصريين لا يشترون المستورد، إلا مضطرين ، لأنهم يجدون أنه أعلى فى جودته من بديله المحلى، وهذه حقيقة قائمة فى كثير جداً من الأحوال بكل أسف، وليس لها من علاج إلا أن يكون كل منتجينا على يقين بأن لهم دوراً أساسياً فى نجاح الحملة على المدى الطويل، وهو دور تلخصه كلمة واحدة، أريد أن أكررها ثلاثاً هي: الإتقان.. ثم الإتقان.. ثم الإتقان!
إتقان كل واحد منا لصنعته، أو لسلعته التى ينتجها، هو أساس نجاح الحملة المؤكد، وساعتها لن نكون فى حاجة الى الترويج لمنتجاتنا، لأنها سوف تتولى الترويج لنفسها بنفسها!